الأسطورة الجافّة

عبدالرحمن طهمازي
إلى علاء بشير

لطالما تمتّع المؤلّف القصصي المتمرّس بفكرته عن نفسه
وقد عنَّ له خاطر استراح له مفاده
انّه لا بدّ من أن يختبر مجده من جديد وأن
يكتب قصّة لا تدور كما تعمل الأرض البيضوية
بل أن تمضي على نحوٍ مسطّح
فقام اوّلاً بتخليص شخصياته من أيّ علاقة
بالحوادث
وأن تكون الحوادث متجرّدة من المعاني التي تترتّب
عليها فنون الحكاية وتتشبّع بها
وكان رهانه مبتهجاً بالتمام حين رسم خرائطه
اللامبالية
ثمّ أن يبدأ القصة من النهاية
ويجعل نفسه في منأى عن أن يبدو أيّ قارئ
ندّاَ له
وهكذا اختطف الغصنَ الذهبي:
انّ احترافه لن يشفع له شفيع الّا بعد أن
يمارسه على انه هاوٍ من الهواة مغرور وصريح
وفي لحظة واحدة كان قلمه سيّالآ لا مردَّ له في
سحره
وأخذتْ المقادير تجري من غير أعنّة
وشيئاً فشيئآ أدرك المؤلّف انّ هوايته
أشجع من احترافه
بل هي الاحتراف المتكاثر
فقد وجد انّ شخصياته التي كانت
قد ماتت بدأت بالاستيقاظ لكي يواصل الاتجاه نحو
بداية القصة
وهكذا ، ومن جديد يعود الأحياء يتسابقون نحو دفّة
السفينة ليبرهنوا لمؤلّفهم العتيد انهم جديرون بالخروج
من الباب الذي ادخلهم منه
استقرّ الجميع بين طيّات الدفتر
وحين وصل المؤلّف الى الفصل الخامل وهو المكان
الذي اعتاد أن ينهي فيه القصص وجد ان صمته
يتأهّب للايقاع به؛ اسرعَ
يتعثّر بشخصيات قد وُلِدت متفاجئة وبغموضٍ أصيلٍ
غير مقصود، قبل ان يحين حينُها ؛ليخرج من
باب البداية مشوَّشآ بالسلامة ولم يبقَ في مكنته
أن يكتب:
انتهت القصة.
لكنّ شخصياته لم تخرج معه ونكصت عائدة القهقرى
في بيت الهواة الذي تكاثرت فيه الحوادث القليلة
على الطريقة المعمارية لروبرت براوننغ:الاقلّ هو
الأكثر وتصرَّفت وكأنّها اذكى من مؤلّف
يتبجّح مثل شاعر عربي بكونه يفوق أشعاره ذكاءاً
في الوقت الذي تتغلغل فيه الأشعار
في الزمان مثل سهم عزيز لا يصيب الّا عين الثور.
هاهي الحوادث تصير عقيمة ما إنْ جعلتْ الشخصيات
شغلها الشاغل إغلاق الذاكرة، كما انّ المناظر
الذي كانت تحيط بالجميع بدأت بالتفرّج على نفسها.
بعد أن دخل القرّاء في الحكاية من الباب الذي
خرج منه المؤلّف بَدَوا وكأنهم يطاردون الشخصيات
التي كانت تتقهقر الى الباب الواقع في النهاية
كما اختاره الهاوي مدخلآ لا مخرجاً ،بيد انّ هذا
لم يكن واضحاً للأبطال ،ولم يكونوا على علمٍ بانّ
لقصتهم مدَخلَين ومَخرَجَين
يقتسمها المؤلّف والقراء
أمّا الشخصيات فلا تعرف الاّ نهاية واحدة على
انّها بداية واحدة.
اقرّتْ الشخصيات انّها اقلّ خيالآ من الواقع،فخرجت
لا تلوي على شئ من الحيلة ولا تنتظر مَن سوف
يتسوّمَها من المؤلفين المحترفين لتمارس السخرة
لدى متطفلين؛ ومن غير اتفاق اذا بها تحاول
العودة الى القصة دون اكتراث بانّ الحوادَث
الرسمية قد انتهتْ.
وعلى أيّ حال فانّ يأسها المحايد جعلها تدور
حول الهيكل اللغوي الممتدّ بأقنعته المتفطّرة وبجهل
تخالجه ابتسامة مصدومة ترتجف بغير نظام،وبحماقة
موسوعية تتوعّد المؤلّف النطاسي وتهيب به؛وبضوضاء
رومانية كاسحة تخرّ الغربان عليها صريعة للتوّ
مضفيةً على المنتصرين والمهزومين دعابةً قدّرها
هؤلاء وهؤلاء حقّ قدرها
وظلّ النسيج الصوتي الزائف الغامض العنيف الهستيري
المشعوذ يفعل فيهم ما يشاءون ومالا يشاءون
عالياً وسافلاً.
وفي الأخير
تجّرأت الشخصيات على دخول الهيكل ،فلمّا فعلتْ
فعلتَها؛ ذاب الهيكل فيها وتبخّر الأمر من أصوله
وطار وأخذت الوقائع تتعجّب مراراً وهي
تنظر في أعلاها الدفين حيث اللبّ لم يكن
شفافآ، وما زالت صفاته تتأسف عليه ليلاً
ونهاراً وليلاً فهي لم تصادف موصوفاً تخلد اليه
من غائلة الغد القصيرالقريب الذي سيطول
ويتقارب.
وبعد أن أفضى لاعبٌ محترف متمهِّل يتشرّف بالجمال النبيل المتواضع
وهو أيضاً مرموق بهواياته المتحركة؛ بسرّه على انّ الشهرة
تكيل له تهديداً مباشراً اغرورقَ بالقول:
انّ المستقبل ليس مما تعوّدنا عليه.
….
والسلام ختام

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة