أجود الشعر وأعذبه

حُسن الألفاظ في الاختيار بتجانسها مع الصورة الشعرية المُبهرة ،والكتابة بمختلف الأشكال الشعرية ، وحُسن النظم بنصوصه بدلالاتها ومدلولاتها، وتوظيف التناص القرآني ،والرمز التأريخي بإيحاءاته ،وحضوره بمعظم تلك القصائد في دواوينه المختلفة من خلال الدلالات النصيّة الموحيّة بقدرة الشاعر في نصه (العمودي- التفعيلة –النثر – الومضة ) فما يُميز تجربة الشاعر المتفرد «أجود مجبل « الذي أصدر عدة دواوين منها (رحلة الولد السومري ) دمشق /2000عن اتحاد الكتاب العرب ؛ (محتشد بالوطن القليل ) صدر عن دار النخيل /بغداد 2009 ؛( يا أبي أيُّها الماء ) /شركة النورس /2012..
ثنائية الترابط ( الماء = الوجود ) ، كما جعل الله منه كل شيء حي نجد تكرار تلك المفردة بمعظم نصوصه بين الارتواء والظمأ ، بين الخضرة واليباب ، بين الوجود والعدم ، بين السراب والحقيقة ..حتى عتبة ديوانه الأخير ومضمونه ، في نصه المؤرخ في 1992 بديوان رحلة الولد السومري ..
صُبْحاً بِحاريّاً… وإيماءَ شِراعْ
ومتى تأتينَ؟
عَصْراً ذهبيّاً لبداياتِ المطرْ
مُطلِقاً كلَّ العصافيرِ التي أَلغَتْ
تَعاليمَ القبائلْ
صوتُكِ المخدوشُ بالماءِ
تَحدَّى نزَقَ البحرِ
وحُرّاسَ القِلاعْ
فتعالَيْ
نَعتنقْ بينَ المحطّاتِ التي نامَتْ
على وعدِ سفرْ
***
ها هو النهرُ
أتى كالدمعِ
مصلوباً بآلافِ الرسائلْ
………………
ويُبحر الشاعر بأشرعته وسط الأمواج العاتية من حيواتنا التي تعج بالأزمات النفسية ،والإغتراب ،وفقدان الأحبة ، والأوطان نصوص كتبها بين سوق الشيوخ –عمان- دمشق وبفترات زمانية مختلفة بين الوجد ،والشوق ،والتوق للحريّة ، ترانيم للوطن والأطلال في هذا الزمن الدامي ..كما في «مسودة غير رسمية ل(قفا نبك )»
في الطريق إلي
تلعثم ظلي طويلا
ونابزني غسق ضالع بسواه
مددت يدي في الظلام الأكيد
لأقطف خارطة ترتدي سأماً أبديا
وكان على شجر الليل هجر
وقفت على قمر فاتر
والسلالات تحصي مواقيت وحشتها
فانزلقت إلى حيث تأوي السناجب (سوق الشيوخ 2000)
وفي نصوصه تحتشد الذكريات فتتوهج الكلمات بتأبينه للعلامة الشاعر الراحل الدكتور» مصطفى جمال الدين «الذي كان خيمة لوجود معظم المعارضين في دمشق ، مرثية الناسك الجميل
على يديك
عصافير بلا أُفق
وذي خطاك التي سارت بلا طرقٍ
أمّا أنا ،
فقد ارتابت بأسئلتي هذي الرمال
على مرأى الأرقِ
ترعرعت في جبيني كل عاصفة
تدمي الزهور
وتلغي دوره العبقِ
تلوك قارب أسفاري وتسحقه
فيستعير شراعي
نكهة الغرقِ..
في ديوانه «يا أبي أيها الماء « هناك يقترن (الماء بالشعر) و(الشعر بالوجود ) و(الوجود بالحرية ) نصوص تتجلى بها قدسية الماء عند ظمأ الإمام الحسين –عليه السلام- في كربلاء من جورنيكا إلى الجواهري إلى محمد بو عزيزي (مرثية لمن حرق نفسه لحريق ربيع الثورات وهو يُعبر عن أمة وجراح الفقراء بكل الأرجاء ،نص ناقم على الحكام والطغيان تنزاح دلالاته إلى واقعنا العربيّ والعراقيّ المتهرئ ) الى زهرة لأبي تمام إلى آخر الماء- إلى أنهارنا التي سرقوها- موجزٌ للنهر- صور مُعبرة من عتبات العنونة ..
سنابل ُ الحسين ص165
لكَ الأرضُ كَرّاسةٌ
كَم رسمتَ لنا فوق أسوارِها قمرا
لكَ الليل
فِضّةُ أسمائنا
مُضَمَّخَةً بفُتاتِ الكرى
وحيداً
سوى من رذاذِ النجومِ
يُرافق عينيك عند السُّرى

صباح محسن كاظم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة