يبدو أن شهر “رمضان ” لم يسلم من القيل والقال والخلاف على اوله او آخره
ولم ينجُ من الغيبة والنميمة ايضاً او حتى من حشره و أقحامه في حكايتنا أو قصصنا او روايتنا اوطرائفنا.!
ولان الشهر الكريم يحظى بمكانة عظيمة في نفوسنا .. ويحتل الكثير من اهتمامنا ،لهذا عمد ” الحشاشون ” والرواة والحكواتيه والمؤرخون الى نسج الكثير من الطرائف واللطائف والحكايات الساخرة التي تتضمنها الكتب والمؤلفات والمعاجم مما كان يدور بين الافراد والجماعات أو بين الخلفاء او الامراء وبين مشاهير الشعراء أوالصعاليك والندماء وغيرهم سواء في أروقة القصور او في بلاط السلاطين والخلفاء والحكام وغيرهم , وبفضل كل ذلك تعرفنا على الكثير من العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية في الحقب التاريخية الماضية فضلاً عن التعرف على انواع الاطعمة والحلويات التي كان يتناولها ابو دلامة والاشعب وجحا وغيرهم الكثير من الشعراء والصعاليك ، ولعل حكاياتهم الطريفة والمقالب والمواقف التي كانوا يقعون فيها أو يبتكرونها للحصول على الطعام الفاخر من قصر خليفة المسلمين وخصوصا في حقبة الدولة الاموية والعباسية التي اتسمت في عصرها بالبذخ والاسراف والرفاهية ، التي اصبحت في ما بعد مادة للقراءة والتداول والتسلية والترفيه عن النفس من خلال أمهات الكتب والمؤلفات .يعود الفضل الاول في التعرف على كل ذلك الى “الجاحظ” التي وثق الاحداث والقصص ونقلها لنا بواقعية واسلوب جميل ممتع عبر الكتب والمجلدات التي تضم عشرات الحكايات ، في مقدمتها “البخلاء” الذي تضمن حكايات طريفة عن المؤاكلة والآكلين من صنف البخلاء!
الكثير من هذه الحكايات الطريفة أرتبطت أحداثها مع أيام الشهر الفضيل فنجد في هذه الكتب المواقف والقصائد الساخرة التي تتغزل بالطعام والحلويات .. والصعوبات والمعاناة التي تواجه هؤلاء مع الصيام وخصوصاً في ايام الصيف القائظ . ومن هذه الحكايات التي نتوقف عندها .. “جاء رجل الى فقيه فقال: أفطرت يوماً في رمضان فأجابه: أقض يوماُ مكانه. قال: قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا مأمونية ” نوع من الحلوى “فسبقتني يدي إليها فأكلت منها , فاجابه : اقضي يوماً آخر مكانه , قال : قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة فسبقتني يدي إليها , فاجابه الفقيه : أرى أن لاتصوم إلا ويدك مربوطة “!
وحكاية اخرى ..نرويها في سياق ذلك “قيل لبعض الحمقى .. كيف صمتم في رمضان ؟ فأجابوا أجتمعنا ثلاثين رجلاً فصمناه يوماً واحداً!”
وربما ان طعام “الثريد” يقف في مقدمة الاكلات التي كان تفضلها قبائل الجزيرة العربية، وهي تتكون من “تشريب اللحم والخبز فضلاً عن الرز ” علماً ان المائدة الصحراوية تفتقرالى التنوع والابتكاروالابداع والتفنن في الطعام وذلك لطبيعة البيئة الجغرافية والاجتماعية وهذا ماتوارثته الاجيال الى يومنا هذا فاصبح “الثريد ” يتصدر قمة قائمة طعام اصحاب “العروش ” و”الكروش”!
وبفضل عشق سكان المنطقة تناول لحم “الناطح ” و”المنطوح ” والافراط بذلك، فقد أصبحت طبائعهم تتغير شيئا فشيئا وتميل الى “نطح” بعضهم البعض الآخر.. ولعل التاريخ خير شاهد على ذلك أذ أن عملية التمرس على “ذبح” الشاة او الناقة او الحصان اكراما للضيف في زمن حاتم الطائي ومابعده ..جعلت هذه ” الملة ” أو الشريحة تنتقل بعد فترة وجيزة الى مرحلة “ذبح” الضيف والجار والصديق بدلاً من “الشاة ” اما بسبب خلاف طائفي او ديني او خلاف على “ناقة” عليلة او سرقة ديك عقيم !
ويبدو أن من تشبع عقله وبطنه بثقافة “النطح ” لن يستطيع أيقاف مسلسل الذبح الجماعي المجاني في الاشهر الحرم ولاحتى في رمضان !
• ضوء
كل قوم بما ” ينطح ” فرحون !
عاصم جهاد