بين مطرقة المسلحين وسندان الحكومة

ناحية العلم في صلاح الدين

رواء هادي *

منذ أن سقطت محافظة صلاح الدين (شمال بغداد 165 كم) بأيدي المسلحين وما يسمى بعناصر داعش، والتقارير والتصريحات الحكومية تظهر عبر وسائل الإعلام شبه الرسمية فضلا عن تلك الموالية للحكومة، لتؤكد أن أغلب مناطق صلاح الدين باتت تحت سيطرة قوات الجيش الحكومية، في الوقت الذي تظهر فيه وسائل إعلام أخرى غير موالية لتشير إلى تمكن (ثوار العشائر) وغيرهم من الفصائل المسلحة من السيطرة على مناطق صلاح الدين!

الأزمة الانسانية المحيقة بسكان تلك المناطق أو من صمد منهم فيها، دعتنا إلى المراقبة عن كثب لما يجري بعيدا عن التصريحات المختلفة، لنلفى أن حديثا آخر يجري على أرض الواقع..

بدءاً من منطقة (الشرقاط) الواقعة الى الشمال من صلاح الدين مرورا بـ(بيجي)، (تكريت)، (الدور)، و(سليمان بيك)، فضلا عن بعض قرى ناحيتي (آمرلي) و(يثرب).. كلها مناطق ساقطة حتى الآن بأيدي المسلحين على اختلاف هوياتهم، وقد أحكموا سيطرتهم عليها، وليس هناك من وجود لقوات الجيش الحكومية في هذه المناطق عدا منطقتي (مصافي بيجي) و(قاعدة سبايكر) التي تسيطر عليها القوات الحكومية وهي مناطق منقطعة براً ويتم تمويلها جواً..

من تبقى من سكان محافظة صلاح الدين، يصفونها بأنها أضحت مدينة أشباح بعد أن هجرها معظم سكانها متجهين إلى كركوك كأقرب مدينة يمكن اللجوء إليها حيث اصطفوا في طابور طويل من السيارات لمسافة عشرات الكيلومترات على مدخل كركوك، وحيث نفد الماء وحليب الأطفال والغذاء، بإنتظار السماح لهم بالمرور.

أما ناحية (العلم) في محافظة صلاح الدين وتبعد 16 كم عن مدينة تكريت، والتي تقع على ضفاف نهر دجلة وتتكون في الغالب من أراض زراعية وبساتين، وتتميز بكثافة سكانية عالية خصوصا بعد انتقال مئات العوائل من مدن عراقية عدة إليها بعد عمليات التهجير الطائفي.

سكان ناحية (العلم) والذين صمدوا في بيوتهم اضطرارا نتيجة تقطع السبل بهم، يشكون من كونهم قد ضُرب عليهم الحصار وعزلوا تماما داخل حدود الناحية بسبب سيطرة المسلحين على الطرق المؤدية الى باقي المناطق شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. وأبناء هذه الناحية يشددون الحراسة على مشارف المنطقة حاملين أسلحتهم للدفاع عنها خشية دخول المسلحين إليها.

الوضع الانساني في ناحية العلم

الوضع الانساني في هذه المنطقة بات وضعا حرجاً للغاية بسبب نفاد كل أنواع الوقود والطاقة، كالبنزين والنفط والديزل والغاز السائل، فضلا عن غياب الكهرباء الوطنية منذ أيام، وشحة المياه شحة شديدة وعدم وجود مياه صالحة للشرب ولا حتى للاستحمام في صيف لاهب لن يجدوا أمامهم سوى مياه نهر دجلة المحاذي للمنطقة.. ولأن المنطقة زراعية فهم يعتمدون حتى الآن على محاصيلها وما تبقى من القمح يخبزونه على الحطب!

يصف سكان المنطقة حالهم بأنهم صاروا أشبه بسكان القرى البدائية قبل أن تدخل عليها عوامل التحضر وتطبعها بطابعها.. فلا كهرباء ولا إنترنت ولا وقود ولا مياه صالحة للشرب، ويعتمدون في غذائهم على مزروعاتهم وحيواناتهم!

جنود وضباط يلوذون بمنطقة العلم

هذه المنطقة (العلم) والتي باتت محدودة أو معدومة الموارد أو تكاد، تحوي الآن وبعلم الجهات الحكومية، عشرات إن لم يكن المئات من الجنود والضباط الفارين من وحدات مختلفة في الجيش العراقي، الذين تركوا معسكراتهم ومواقعهم في الموصل وتكريت وسبايكر وخلية الاستخبارات العسكرية في تكريت، وغيرها من الوحدات والقطعات، لوذاً بأنفسهم من بطش المسلحين، وهم يحتمون في ناحية العلم التي عَبَرَ معظمهم إليها من جهة نهر دجلة، وقد فتحت بيوتاتها أمامهم إذ يصل عدد الجنود في البيت الواحد احيانا الى (20) فردا ما بين جندي وضابط. وهم بانتظار إعادة سيطرة القوات الحكومية وتأمين الطريق الواصلة بين محافظة صلاح الدين ـ بغداد، ليرتحلوا نحو الجنوب حيث محافظاتهم.. وتقوم جهات ومسؤولون حكوميون وسياسيون بالاتصال بعشائر الناحية ووجهائها لتثمين دورهم في حماية الجنود والضباط.. ولكن هل ذلك كافيا، وهل هو كل ما ينتظره سكان تلك المناطق من الحكومة؟!.

فكارثة انسانية وشيكة الحدوث في هذه المنطقة المحاصرة التي انشغل عنها المسؤولون الحكوميون وقادة الأمن بالتصريحات الإعلامية المضللة وكأنها ستسمن من جوع أو تحل مشكلة بخطورة المشكلة التي تواجهها مناطق ومدن نُزعت عنها دفاعاتها فجأة وألفت نفسها بين أفكاك المسلحين. في الوقت الذي بدأ فيه المسلحون ومنذ ليلة الثلاثاء بدك منطقة العلم بقذائف الهاون ما زاد الوضع الانساني بؤساً وغموضاً. فضلا عن هجوم المسلحين على مصفى بيجي صبيحة أمس الأربعاء وحرقهم لأكبر خزان للوقود يغذي نصف محافظات العراق دون مساندة تذكر من القوات الحكومية لقوات الدفاع المتمركزة في المصفى.

ويتحدث أهالي المنطقة عن هوية المسلحين الذين يسيطرون على صلاح الدين وتكريت بخاصة بأن معظمهم (مناطقيون) أي من سكنة المناطق ذاتها التي يجري إزاحة القوات الحكومية عنها وفرض السيطرة عليها، فضلا عن عناصر معدودة بعدد الأصابع يقال لها (داعش) تتراوح جنسياتهم ما بين سوريين ويمانيين وأفغان وسعوديين، وهم ينفذون أحكام الإعدام والقتل على الجنود العراقيين وغيرهم ممن يعّدونهم متواطئين مع الحكومة العراقية، حيث تترك جثثهم في العراء لتنهشها الكلاب..!

العشائر تعد عدتها للتوجه

نحو تكريت لتطهيرها

وتشير معلومات إلى أن شخصية تدعى (أبو منار العلمي) وهو من ناحية العلم، شكَّلَ قوة قوامها ستة آلاف مقاتل من عشائر صلاح الدين سيقودها نحو مدينة تكريت لتطهيرها من المسلحين وقتال داعش. كما يعود الفضل لأبناء العشائر أنفسهم في تحرير بعض النواحي التابعة لصلاح الدين كالإسحاقي والمعتصم والضلوعية من قبضة المسلحين.

وعلى الرغم من أن أبناء هذه المناطق والمدن يتآزرون فيما بينهم وينتزعون مناطقهم أو بضعة منها من قبضة المسلحين، غير أنهم يبقون مجرد مدنيين عُزّل وليسوا مقاتلين، وهم ينتظرون من المؤسسة العسكرية أن يكون لها دورها وكلمتها، وإلا فما جدوى جيش دولة غير قادر على الدفاع لا عن نفسه ولا عن مواطنيه؟.

إن أزمة الموصل وصلاح الدين ومن قبلهما الأنبار، إنما كشفت عن هشاشة هذه المؤسسة العسكرية التي يناط بها حماية المجتمع والدولة من الداخل والخارج، والتي تلزم المسؤولون الحكوميون بإعادة النظر في بنية هذه المؤسسة وأهليتها، فلا يكفي أبدا أن أُضع فردا داخل بزة عسكرية وأحمله سلاحا وأزجه في معركة.. بلا عقيدة وبغير ايمان بقضية.. حينها ستسقط ورقة التوت وتتكشف العورات حيث لا شيء من بعد، يسترها.

* من أسرة «الصباح الجديد»

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة