الرشوة رأس كل رذيلة

جمال جصاني
بالرغم من التحسن الكبير في الاجور والدخل ومستويات المعيشة مقارنة مع ما كان عليه الحال في السنوات الاخيرة من حكم النظام المباد، الا ان منظومة الانحطاط ورأس رمحها الضارب (الرشوة) المتسللة الى ممارسات وسلوك غير القليل من افراد المجتمع لم تجفف منابعها وحسب بل ولجت الى أطوار أخطر واشد فتكاً بفعل طوفان الثروة والنقد والمقاولات والصفقات التي تدفقت على البلد بعد حصار طويل، خاصة وان التحول الكبير ترافق مع ولادة نوع استثنائي من القراصنة واللصوص عرف بـ (الحواسم) تسللت اعداد منهم وتحت وابل من عجاج (الفوضى الخلاقة) الى مواقع متنفذة في الدولة والمجتمع، ومع الفشل العضال الذي شهدته العملية السياسية، توفرت كل الشروط والمناخات للرشوة وملحقاتها من قيم مهينة لكرامة الانسان، كي ترسخ وتعزز ثقافتها وتقاليد دمارها الشامل، حيث تراكمت الخبرات والفنون في هذه البرك الآسنة. ومن يتابع حركة الصعود السريع للاثرياء الجدد وما عرف بقراصنة المنعطفات التاريخية، يعجب لكل هذه الرشاقة والمواهب التي نضح عنها مشهد ما بعد سقوط سطوة الجرذ الأكثر شراهة في تاريخ هذه المستوطنة القديمة.
ان الفضائح المدوية للمؤسسات التي تشكلت على عجل بعد التغيير، وخاصة ما حدث في محافظة الموصل من تبخر اسطوري لتشكيلات الجيش والشرطة الاتحادية، لا ينفصل عن النفوذ الهائل لهذا الوباء (الرشوة) حيث لا يمكن تخيل المخلوقات المرتشية وهي تدافع عن قيم ومفاهيم «بطرانة» مثل (الوطن والكرامة وحقوق الانسان والشرف و..). ان القيم التي ارتقت بسلالات بني آدم الى ما نشاهده اليوم من مستويات للحياة والعيش، هي ما نحتاجه لمواجهة المصير المعتم الذي ينتظرنا، علينا ان نتخفف من وزر هذا الوباء عبر اجراءات صارمة وعاجلة، وان نواجه الاضرار الفادحة التي الحقها بالحقل الأهم لمصير ومستقبل الامم (القيمي والروحي) وان نضع حداً لمعايير المحاصصة المعاقة، المسؤولة عن هذا الكم الهائل من الضياع واللامسؤولية واللامبالاة تجاه حاضر ومستقبل الوطن والناس. قد تبدو مثل هذه المهمات طوباوية في ظل ما هو سائد من ثقافة متدهورة وتعامل فظ وسلوك متخلف، لكن كل تأجيل أو استخفاف بها سيضاعف كثبان الفواتير الباهظة والتي سندفعها والاجيال المقبلة من دون قيد أو شرط.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة