محاولات لانقاذ بقايا قضية بلاك ووتر

مات ابوزو*

وصل فريق من مكتب التحقيقات الفديرالي الى بغداد بغية التحقيق في حادثة اطلاق النار التي تورطت بها شركة بلاكووتر التي كانت تؤمن الحماية الامنية للاميركيين في منطقة الحرب العراقية. وبرغم ان اسم الشركة لم يكن يعني شيئا في حينها, الا ان ما خلص اليه المحققون كان صادما بحق.

لقد وصف الشهود قافلة من السيارات المصفحة التي تطلق النيران ناحية تقاطع مكتض بالسيارات المدنية العراقية, الامر الذي ادى الى مصرع 17 عراقيا. وقد شهدت احدى النساء والدتها وهي تقتل في تلك الحادثة اثناء ركوب الاثنتين في احد الباصات الصغيرة, فيما توفيت آخرى بطلقة بالرأس وهي تحاول حماية ابنها الصغير الذي اصيب كذلك. 

عن هذا الموضوع, يعلق رئيس فريق التحقيق الفيدرالي, السيد جون باتاريني, يعلق بالقول «ان هذه تمثل مذبحتنا في العراق,» في اشارة منه الى الناس الذي قضوا وهم متوجهون الى منازلهم.

ولاشك ان حادثة مذبحة النسور ومعها مصرع 24 عراقيا مدنيا في مدينة حديثة فضلا عن الاساءات التي تعرض لها سجناء ابو غريب, انما مثلت كلها بصمة بارزة للحظة الحرب الاميركية الفارقة في العراق.

و برغم توجيه اتهامات بالقتل العمد لخمسة من حراس الشركة مع عقد صفقة قانونية مع سادس كي يشهد ضدهم, الا ان القضية كانت ولا تزال تتعثر في اروقة المحاكم الاميركية جراء اخطاء حكومة الولايات المتحدة.

في هذا السياق, يسعى المدعون العامون لربط ما تبقى من اشلاء تلك القضية, الا ان الاتهامات ضد احد المقاولين اسقطت العام الماضي جراء نقص الادلة. كما ان الحكومة تعرضت الى انتكاسة اخرى شهر نيسان الماضي حينما تأخرت اجراءات فيدرالية ضد احد المقاولين ويدعى نيكولاس سلاتين الذي كان قناصا سابقا في الجيش الاميركي ويعتقد انه اطلق الطلقة الاولى في تلك المذبحة, الامر الذي سمح باسقاط التهم عنه لتجاوزها الفترة القانونية. لذلك, وبعد رفض محكمة التمييز طلب الاستئناف ضد سلاتين, امكن للاخير ان يخرج بطريقة عدت اساءة فاضحة لمعايير العدالة. وحسب وزارة العدل الاميركية, فان ذلك الوضع الذي اسقط التهم عن سلايتن انما يعود الى تأخر الحكومة في اجراءاتها بطريقة لا يمكن تفسيرها, وبرغم اتهام سلايتن بجريمة قتل من الدرجة الاولى على خلفية عدم توفر الادلة. 

من جانب آخر, فأن مشاهد المحاكمة ستعيد الى الاذهان حالة المشاعر المعادية للاميركيين التي ساعدت مذبحة بلاكووتر على تعزيزها. لكن الصعوبة التي تواجهها الحكومة الاميركية الان تتمثل في لملمة اشلاء القضية التي تم بيع الشركة التي تسببت بها الى مستثمرين اخرين, فضلا عن تعزيز القضية للشعور بأن المقاولين الاميركيين يتصرفون فوق اي قانون في العراق حتى مع تأكيدات الرئيس اوباما لحلفاءه العراقيين بأصرار ادارته على التصرف بحزم ازاء هذا الموضوع, وتصريحات نائبه بايدن عن شعور بالاسف الشديد جراء ما حصل.

عن هذا الموضوع, تحدثت المحامية الاميركية سوزان بورك التي تمثل عراقيين في هذا القضية التي اغلقت جراء التسويف والتأخير, تعلق بالقول «كمواطنين, فنحن بحاجة لان نسأل حكومتنا عن سبب فشلها في المحاسبة على اساءات من هذا النوع والحجم, مع ملاحظة ان ذلك يقوض من مصداقيتنا وثقتنا بنظامنا.»

حينما وصل فريق التحقيق الاميركي الى العراق عام 2007, كانت الشهادات تشير الى قضية قوية المتهمين.

وقد روى الشهود صورا مروعة حينما بدأ المقاولون اطلاق نيرانهم جراء تعرضهم لكمين نفذه متمردون حسب ادعاء الشركة, فيما قال المسؤولون العسكريون الاميركيون ان لا ادلة على كمين حصل ضد قافلة حماية بلاكووتر اصلا. وحتى في حال وقوع ذلك الكمين المفترض, فأن القوات الاميركية اكدت ان اطلاق النار من قبل حراس القافلة كان مبالغا به وغير مبرر على الاطلاق. وحسب مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السيد جوزيف بيرسيشيني, والمسؤول عن ملف القضية في مكتب واشنطن, فأن الموضوع يتعلق بحماية حقوق الانسان الاساسية التي كان يتوجب توفيرها لهؤلاء الضحايا.

لكن المكتب قال ان التحقيقات تقوضت منذ البداية, حيث اشار احد مسؤولي الامن في وزارة الخارجية الاميركية انه بمجرد حصول الحادثة, عمد الحراس الى جمع بقايا اغلفة الرصاص بغية تنظيف مسرح الجريمة من الادلة وحماية الشركة. ويستذكر العميل من الخارجية الاميركية, ديفيد فارنغتون, يستذكر ذلك اللقاء مع مسؤولين اخرين من وزارته حينما خلصوا الى ان الوزارة تتوفر على ما يكفي من الادلة لتقديمها بغية ادانة الجناة. كما ان محققي الخارجية الاميركية لم يمنحوا حصانة لمقاولي بلاكووتر جراء تلك الحادثة. لكن بعد ان عمد احدهم الى تسريب تلك التصريحات الى المراسلين الصحفيين, حاول المحققون ضمان ان لا يتأثر اي من شهودهم بتلك التصريحات التي لم يكن ممكنا استخدامها كأدلة. وبرغم ذلك, بقي مكتب التحقيقات الفديرالي واثقا من قوة قضيته, حيث قال باتاريني في المحكمة «اننا نملك ما يكفي من الادلة المادية على ما حصل.»

ثم جاء تطور جديد في العام 2008 حينما اعترف احد الحراس, ويدعى جيرمي ريدغواي, اعترف بجريمة القتل العمد, مقرا بأنه ورفاقه فتحوا نيرانهم ضد مدنيين عزل دون سبب موجب. وقد اعلن عن ذلك الاعتراف رسميا في نفس اليوم ووجهت الاتهامات الى باقي المقاولين الخمسة. لكن منذ ذلك الحين, بدا ان القضية ضاعت بعد ان اتهم قاض فيدرالي محققي وزارة العدل بانتهاجهم سلوكا متهورا, وان هؤلاء المحققين تعمدوا خرق حقوق دستورية للمتهمين. عندها, عمدت وزارة العدل الى استبدال محققيها, فيما اعلن بايدن, ضمن خطوة عكست الحساسية الدبلوماسية, عمد الى اعلانه عن زيارة خاصة للعراق, حيث قال ان تبرءة المتهمين ليس بالامر المقبول قطعا.»

لاحقا, عمدت محكمة استئناف الى اعادة فتح القضية ضد اربعة من الحراس, لكن من دون الحارس سلاتين الذي اعلن عن اسقاط التهم ضده. وقد قالت المحكمة انها بصدد اعتماد ادلة جديدة ضده, الا ان ذلك لم يحصل الى الان, فيما استغرق الامر 5 سنوات حتى العام 2012 لتسقط المهملة القانونية لفعالية الاتهامات. ومن المقرر اعادة اتهام سلاتين بجريمة القتل من الدرجة الاولى, فضلا عن الاتهامات ذاتها رفاقه, الامر الذي قد يؤخر حسم القضية اكثر. اما محامي سلاتين, فمن المتوقع له ان يعارض قرار الاستئناف ضد موكله, الامر الذي قد يؤخر القضية لوقت اطول كذلك.

و سواء بوجود سلاتين او بدونه, فأن من المقرر ان يواجه الحراس الثلاثة الاخرون الاتهامات والمحاكمة الى جانب ريدغواي الذي سيكون الشاهد الرئيسي, فيما تستعد الحكومة الاميركية لرسم صورة مريعة عما قامت به الشركة التي كانت تمثل احد اذرع الجهد الحربي الاميري في العراق.

* عن «نيويورك تايمز»

ترجمة الهادر المعموري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة