د. علي شمخي*
ما من دولة أقامت العدل وحرصت على ضمان النزاهة في القضاء إلا وتحقق لها الإستقرار والأمان وتعاضدت فيها الشعوب من أجل حماية كيان وسيادة هذه الدولة ولربما تقدم العدل على الوطنية في كثير من الأسس التي تبنى عليها الأوطان فمن دون عدالة لا يمكن لأي مواطن ان يشعر ويؤمن بالوطنية ويذود عنها ويفتديها بدمه
وقد توارثت الأمم العظيمة هذا الإهتمام بالقضاء وإحترام العدل وسنت القوانين ووضعتها من صلب وروح الشرائع الإلهية وآمنت بفطرة الله حيث وضع العدل بمنزلة سامية وعد بها الدولة العادلة والحاكم العادل بالنصر مهما كانت ملته ودينه وتوعد بها الدولة الظالمة والحاكم الظالم بالخذلان والخسران ولو كان مسلماً …!! ولأكثر من مرة يضرب القضاء الإسرائيلي مثلاً يحتذى به في تطبيق معايير العدالة بحق من خان (إسرائيل) وإرتشى أو ساعد أو روّج على الرشوة والإنتفاع من المال العام .. وتكمن قوة هذا القضاء في عدم إهتمامه بالعناوين وعدم خشيته من عواقب ردود الأفعال على شتى الصعد السياسية والإجتماعية والإقتصادية وهذا ما فعلته المحكمة الإسرائيلية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود أولمرت” حيث أصدرت هذه المحكمة يوم الثلاثاء الماضي حكماً بالسجن ست سنوات على رئيس الوزراء السابق لقبوله رشا في قضية قال القاضي إنها أقرب إلى الخيانة ..!! واللافت للنظر هو ما صرح به قاضي المحكمة الجزائية “دافيد روزن” حيث قال في تل أبيب “الموظف العام الذي يأخذ رشوة أقرب إلى خائن”. وحكم أيضاً على “أولمرت” بدفع غرامة مليون شيقل (289.500 دولار). وقال عند إصدار الحكم ان “أولمرت” كرس معظم وقته للخدمة العامة “لكنه حصل أيضاً على كسب غير مشروع. وأضاف “شغل المتهم منصب رئيس وزراء إسرائيل .. وصل من هذا المنصب الرفيع والمحترم إلى موقف الإدانة في أحقر وأخطر الجرائم”. وأمر “روزن” أن يبدأ سجن “أولمرت” (68 عاماً) في الأول من أيلول ليمنح محاميه مهلة لتقديم طلب إستئناف للمحكمة العليا وطلب لإرجاء الحبس لحين البت في القضية ..!! وإذا جاز القول بأخذ الحكمة من أفواه المجانين فمن الصحيح القول خذوا العبرة والحكمة من الأعداء والأنداد وهم يحرصون على تطبيق المعايير الأخلاقية والسلوكية على مواطنيهم مهما كانت عناوينهم وصفاتهم ومواقعهم حيث يصفون الرشوة بأنها من (أخطر وأحقر) الجرائم .. هؤلاء الذين إغتصبوا أرضاً وأنشأوا وطناً وشردوا شعباً وقتلوا الأبرياء حريصون على حماية قضائهم وصيانة العدالة فيما بينهم فما بال أمة أرسل الله لها الرسل والأنبياء إبتغاءاً للرحمة والعدالة لا تقتص اليوم من السراق والمجرمين وتلتف على روح الشرائع الإلهية وتكيل بأكثر من مكيال في تطبيق القوانين الوضعية ويسرح ويمرح بها من ينتفع بالمال العام ويهدر ويبدد الثروات ويلوذ ويحتمي بأهم المؤسسات وبأعلى العناوين والمناصب وتصبح فيها الرشوة من أسهل الممارسات والأفعال … ومهما كانت الحلول التي تفكر فيها الحكومة المقبلة لمعالجة ما يعانيه العراق وشعبه من ويلات فلن يكتب لها النجاح ما دام القضاء وإرساء العدل وما شابه من إنتهاكات وتجاوزات ليس من إهتمام وأولويات السلطتين التنفيذية والتشريعية .. ولابد من القول ان الوقت حان لترصين السلطة القضائية في العراق وتنقيتها من كل ما تلوثت به من أدران سياسية وضعتها في منزلة الإهتزاز والتشكيك بالشرعية وإذا كنا نبحث عن إنطلاقة قوية وصحيحة لإعادة بناء وطننا ومجتمعنا فلننطلق أولاً من القضاء مثلما فعلت وتفعل الشعوب والأمم الحية.