بين الشكل والواقع

أمير الحلو

أحد الأصدقاء العراقيين المقيمين في الخارج يحرص على مراسلتي عبر الإنترنت ويرسل لي الصور والنكت والحوادث الغريبة (تبرعاً) منه للتعويض عن الحالة التي نعيشها في العراق وعن الحالة التي يعيشها في الخارج منذ عشرين سنة. الكثير من الذي يرسله أمسحه قبل ان آراه إتباعاً لمقولة (الجواب باين من عنوانه) التي يرددها إخواننا في مصر في حالة المعرفة المسبقة للمحتوى والنتائج، ولكن رسالة منه وصلتني مؤخراً إستلفت عنوانها إهتمامي وهو (أفضل خدعة بصرية في العالم) وعندما فتحتها وجدت صورة شخصين مختلفين في الشكل مع ملاحظة تجربة الإبتعاد عن الصورة بمسافة أربعة أمتار، وعندما إطعت وإبتعدت وجدت أن الرجل الذي على اليمين أصبح على اليسار وبالعكس، ولم أعرف سر هذا التغيير وكيف حدث وما علاقة المسافة بإستبدال موقع الرجلين، ويقول التعليق على الصورتين بأن الذي صمم الموضوع لم يكشف السر وراءهما ولا كيفية حصول هذه الحالة، ولكن المهم في الأمر لا يقوم على خداع البصر، بل بالعبرة من ذلك للوصول الى نتيجة مهمة وهي ان ليس كل ما نراه أمامنا يعكس الحقيقة تماماً، وان هناك العديد من العوامل كالزمان والمكان والمسافة والرأي والمزاج قد تغير من الحالة التي نراها أمامنا ونكتشف وجود حالة أخرى قد تكون هي الحقيقة، ويمكن العودة الى الحالة الأولى والتعامل معها بطريقة أو الإنتقال مسافة أربعة أمتار أو آلاف الكيلو مترات لنجد تغير الحالة والتوصيف.

لم أتعامل مع الصور كمادة للتسلية والخداع وانما للحقيقة التي ذكرتها وهي ان ليس كل ما نراه أمامنا يمثل الواقع، لذلك يجب ان لا نتعامل مع الظواهر القريبة للأشياء المحيطة بنا، بل علينا محاولة (سبر اغوارها) والتوصل الى بعض الحقائق التي لا تكون الصورة والوقائع القريبة تمثلها بشكل واقعي. والكثير منا يواجه هذه الحالة في حياته اليومية حتى على صعيد معرفته بالأشخاص وسماعه بالأحداث أو رؤيته لما يقع أمامه، فقد يأخذ إنطباعاً أولياً على ما سمعه أو رآه ولكنه وبمرور الزمن وتكشف بعض الحقائق يجد ان الأمور ليست كما توقعها عند رؤيتها، وحتى على المستوى الشخصي فقد تلتقي بإنسان يعطيك إنطباعاً إيجابياً أو سلبياً للوهلة الأولى ونتعامل معه على هذا الأساس ثم نكتشف بعد ذلك انه على النقيض مما إستنتجته من لقائك الأول معه، والمهم في الموضوع ان تكون قد إكتشفت الحقيقة بشكل سريع حتى لا تقع في مشكلات و(مطبات) نتيجة إنطباعك الأولي .

هناك ألعاب تعتمد على (الخفة) في أداء الحركات وبسرعة تفوق قدرة المتابع على إدراك ما جرى ونتائجه، وهي حالة معروفة في العروض (السحرية) التي تقدمها بعض المسارح العالمية المشهورة ومغامرات (دافيد كوبرفيلد) التي حيّرت العالم في أحداثها الغريبة، ولكن الكثير منا يكتشف بعد ان يبهر بعمليات (سحرية) معينة انها وهمية وتقوم على الخفة والسرعة وابعاد نظرك عن الحركات المصاحبة للحركات فتعتقد انها (سحرية)، وحتى نبتعد عن عالم السحر نعود الى عالم الواقع عندنا فالسحر يكمن مثلاً في أكثر الشوارع التي تسير بها في سيارتك مطمئناً الى سلامتك فإذا بك تسقط في حفرة كبيرة غطتها المياه أو الرمال فإعتقدت أنها أرض يابسة، ولا أعتقد ان الجهات البلدية تتعمد اللعب مع الناس وتسليتهم بهذه الخدع البصرية ولكنها تقوم بها مع سبق الإصرار، ولعل قضية الأرصفة الملونة إحدى هذه الألعاب السحرية، وكمثال بسيط واحد على ذلك، ان المنطقة المجاورة للمجمع العلمي العراقي في الوزيرية شهدت قبل سنة حركة واسعة في تبليط أرصفتها وجزراتها الوسطية بالطابوق الملون الذي كان يرمى بكثرة على الأرصفة فيحمل الناس ما يحتاجون منه في المساء ويختفي في الصباح، وقبل أيام مررت من تلك المنطقة فرأيت أعمال حفر جديدة في ذلك الشارع وان جميع الطابوق الملون قد أزيل من مكانه ليذهب الى .. مزابل النسيان !

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة