سعد القصاب*
شحيحية، ولا تكاد تذكر في إصدارات المكتبة العراقية، الكتب المعنية بفن التصوير الفوتوغرافي وثقافة الصورة. لا أعني المترجمة منها بل المعنية تحديداً بتجارب فوتوغرافيين عراقيين. وحتى أن وجدت، فتاريخ إصدارها يتفاوت بين عقود أو سنوات متباعدة. عدا كونها مشروعاً فردياً بإمتياز. ليست ثمة جهة داعمة أو مؤسسة متخصصة لهكذا مجال ثقافي، في عصر سُمّي أيضاً بعصر الصورة. ما زال جدار الثقافة العراقية مليئاً بثغرات كهذه؟
لا كتب توثق منجزات المصور الفوتوغرافي العراقي. ربما نذكر كتباً معدودة جداً، عن مراد الداغستاني، وناظم رمزي، ولطيف العاني، وفؤاد شاكر، وبعض كاتلوكات لمعارض أقيمت هنا أو هناك، وفي أوقات وتواريخ زمنية متباعدة.
الأمر الملتبس في هذا الحقل الفني، يتأتى من كون تاريخ فن التصوير الفوتوغرافي لدينا، كان قد بدأ قبل تأسيس الحركة التشكيلية في العراق. إذ تؤكد مقالات متفرقة، أن دخوله يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر على يد البعثات التبشيرية المسيحية التي قدمت الى مدينة الموصل، ومنها إنتقل إلى مدن العراق الأخرى.
ومنذ ذلك التاريخ لا وجود لمؤسسة معنية بالأرشيف الصوري، لا كتب تبحث عن تاريخ هذا الفن، لا معاهد تدّرسه. وظل التصوير بمنزلة حرفة يزاولها البعض. وكان أيضاً ولعاً وموهبة فردية لدى البعض الآخر من الذين سوف يعملون لاحقاً في الصحافة أو في مجال العمل الطباعي. ثمة أسماء من رواد هذا الفن يحتفظ بها الخطاب البصري، منهم: أرشاك، حاج أمري سليم، حازم باك، جاسم الزبيدي وآخرون قدموا في عقود تالية.
لطالما إحتفظت ذاكرتنا الجمعية، الى كون فن التصوير الفوتغرافي حرفة خاصة، وظيفية تماماً، وموصولة بعادات الحضور الإجتماعي والشخصي. وحتى لما قبل ثلاثة عقود كان المصور الفوتوغرافي حاضراً غالباً في الساحات العامة وفي أماكن التسلية واللهو. يطالب الآخرين بتصوير وتوثيق مسراتهم اليومية. لكن في ثمانينيات القرن المنصرم كانوا هؤلاء قد بدأوا بالإختفاء بأسباب إستدعائهم إلى جبهات القتال. كانت هنالك أيضاً علامات مثبتة أمام العديد من المؤسسات الرسمية تمنع التصوير منعاً باتاً.
لا شك أن للصحافة ومؤسسات الطباعة دورها في إبقاء مهنة التصوير الفوتوغرافي قائمة، ومحرّضة في أحياناً أخرى على جعله فناً خلاقاً. وكان الكثير من ذلك النتاج قد ظهر بأثر مؤازرة الخبر والمعلومة بالصورة. وبتنا نتطلع، من خلال هذه العلاقة، الى مشهد تصويري بمثابة واقعة لم تخلُ من حكايات تعبيرية خاصة تغري بتأملها.
ولكن ماذا بعد هذا التاريخ، وفي ظل صحافة تؤثر نقل الصور عن وكالات أنباء أجنبية، أو من خلال إستعارتها من مواقع الشبكة العنكبوتية. وفي غياب فكرة مشروع مركز وطني للصورة، وثائقية كانت أم فنية. أو في عدم وجود مؤسسة داعمة لهذا الفن ؟
أقول، أخشى في ظل غياب لفاعلية هذا الحقل الفني، والذي يدعى بفن التصوير الفوتوغرافي، من انحسار وتلاشي الأرشيف الصوري العراقي. في أن نبقى من دون ذاكرة توثق وجودنا، وربما سنكتفي، والأجيال المقبلة معنا، بصور مرشحي الأحزاب السياسية من ذوي الوجوه غير الحليقة والحليقة معاً !؟