علي عبد العال
طرق الإرهاب الوعرة التي تمتد على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، تحت سيطرة العصابات المسلحة، تلك العصابات التي مهما كانت تتمتع بشرعية معينة، لا يمكن لها هزيمة جيوش نظامية تستند لمصادر الدولة القوية والقوانين العسكرية وعلاقاتها الخارجية، وبالتأكيد إلى تأييد نسبة معينة من الشعب.
وإذ أنطلق من تجربة الثورة الكردية المسلحة بالعراق التي انطلقت رسميا أواسط الستينيات من القرن المنصرم، والتي تمتعت بحاضنة شعبية واقعية شبه مطلقة في منطقة كردستان، فضلا عن الحاضنة الطبيعية الجبلية الوعرة التي يتقنها الثوار الأكراد ولا يتقنها النظام عسكريا، ومع التضامن الشعبي العراقي النسبي بقواه التقدمية لم تنجح الثورة الكردية بتحقيق نصرها على النظام الديكتاتوري لأسباب تتعلق بالدولة. وكذلك تم إحباط الثورة الفلسطينية التي تأسست هي الأخرى أواسط الستينيات واعلنت الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل، مع الفوارق الميدانية التي جعلت الكرد يكافحون على أراضيهم بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تكافح من خارج حدودها الوطنية.
المعادلة السياسية الثابتة تقول، عدا بعض الاستثناءات القليلة، إن جيوش الدولة وأنظمتها الأمنية والبوليسية تهزم مثل هذه الأنواع من المعارضات المسلحة مهما بلغت قواها الفعلية عند إندلاع الحرب الحقيقية بينهما. وبما أننا في معرض الحديث عن العصابات الإرهابية المسلحة التي تتغطى بلحاف الدين والتطرف التكفيري فإن حظوظ هذه الزمر المسلحة بالنصر هي أقل بكثير مما تحلم به هذه العصابات ومن يقف خلفها في الكواليس السياسية، بل هي تشهد هزيمتها اليومية، من دون أدنى شك، كونها مرتبطة بعناصر دعم خارجة عن سيطرتها، بل هي التي تخضع لهذه السيطرة جملة وتفصيلا.
استغرقت عمليات الحرب العسكرية في مدينة حمص التاريخية قرابة الثلاث سنوات، ثلاثة أعوام من التدمير والتخريب والتهجير والقتل والذبح والسرقة من قبل جميع الأطراف المشتركة، وهي تنتهي هذه الأيام ليعود البشر الأبرياء إلى ديارهم، تلك الديار الحبيبة والعزيزة مهما لحق بها الدمار والتخريب. البشر هو الذي يخلق المدن ويصنع التاريخ وليس العكس. إنها تجربة حيّة وواقعية على هزيمة سلاح كل من يحمله ضد المنطق وضد الطبيعة السوية وضد الفكر المتنور. انتهت معارك حمص بهزيمة الإرهاب، وننتظر هزيمة الإرهاب في محافظة الأنبار، وخصوصا في قضاء الفلوجة الذي يتعرض اليوم لأبشع المصائر المماثلة، تلك التي حدثت في مدينة حمص والكثير من المدن السورية. حاضنة الشعب هي المفتاح للخسارة أو النصر مهما بلغت نوعية السلاح المستخدم من قبل الأطراف المتقاتلة. الشعب هو من يحسم المعركة الحقيقية على أرض الواقع، وليس النظام الحاكم أو العصابات الإرهابية الغاشمة.