تغير المناخ يهدد الحياة على مستوى العالم و2022 شهد زيادة الكوارث

ماذا فعلت إدارة بايدن لمواجهة الخطر؟

متابعة ـ الصباح الجديد :

ما بين إقرار أكبر خطة استثمارات في الولايات المتحدة لمشاريع خضراء بمئات المليارات، والتعهد بعشرات المليارات الأخرى للدول النامية للانتقال إلى مصادر طاقة متجددة وتعزيز مقاومتها للتغير المناخي، حاولت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال عام 2022 المساهمة في حل أزمة يعاني العالم من آثارها بشكل واضح، حيث يشهد في هذه الأيام شتاء قد يكون هو الأقسى في ظل توترات دولية.
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد سحب الولايات المتحدة خلال ولايته من اتفاق باريس للمناخ، لكن بايدن أعادها فور تنصيبه في 20 يناير، وجعل مكافحة تغير المناخ أولوية قصوى لإدارته.
وشهد العام 2022 زيادة في الكوارث المرتبطة باحترار المناخ العالمي، حيث أصبح صيف العام 2022 الأكثر حرا على الإطلاق في أوروبا، وسجّلت درجات حرارة قياسية وموجات حر تسببت في جفاف وحرائق هائلة (أكثر من 660 ألف هكتار من الغابات احترقت بين يناير ومنتصف أغسطس في الاتحاد الأوروبي، وهو رقم قياسي). وسجلت الأنهار الجليدية في جبال الألب خسارة قياسية في الكتلة الجليدية.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن ما لا يقل عن 15 ألف وفاة مرتبطة مباشرة بموجات الحر هذه في أوروبا.
كذلك، سجلت الصين حرارة قياسية في أغسطس، فيما يهدد الجفاف بحدوث مجاعة في القرن الإفريقي، كما سجّلت الحرائق وإزالة الغابات أرقاما قياسية في منطقة الأمازون البرازيلية.
في باكستان، تسببت فيضانات تاريخية مرتبطة بالأمطار الموسمية غير العادية في مقتل أكثر من 1700 شخص وتشريد ثمانية ملايين آخرين فيما غرق ثلث البلاد تحت المياه.
وإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة في الولايات المتحدة، تكبدت ولاية فلوريدا أضرارا مادية “تاريخية” مع ارتفاع منسوب المياه إلى مستوى غير مسبوق، خلال إعصار إيان في سبتمبر الماضي.

مساعدات للدول النامية
وفي مايو الماضي، أعلن البيت الأبيض، خلال قمة مع دول جنوب شرق آسيا، أنه سيخصص أربعين مليون دولار للاستثمار في الطاقة النظيفة في المنطقة المعرضة لتغير المناخ ويعمل مع القطاع الخاص لجمع ما يصل إلى ملياري دولار.
وأدرج مؤتمر المناخ في نسخته الأخيرة في مصر، مسألة “الخسائر والأضرار” الناجمة عن تغير المناخ، على جدول الأعمال الرسمي بمساهمة أميركية، وبحضور بايدن شخصيا.
وفي مشاركته في مؤتمر الأطراف حول المناخ في شرم الشيخ، في نوفمبر الماضي، أكد بايدن أن الأزمة المناخية “تهدد الحياة على الكوكب” متعهدا تحقيق أهداف الولايات المتحدة في خفض الانبعاثات بحلول 2030.
وقال بايدن إن “الأزمة المناخية تتعلق بأمن البشر والأمن الاقتصادي والأمن القومي والحياة على الكوكب”.
وبعد مفاوضات صعبة، اختتم مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب27) في 20 نوفمبر على تسوية بشأن مساعدة البلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، لكنه فشل في وضع طموحات جديدة للحد من غازات الدفيئة.
وتعهد بايدن بالمساهمة بمبلغ 11,4 مليار دولار في آلية سنوية لتقديم مئة مليار دولار من الدول الغنية إلى الدول النامية للانتقال إلى مصادر طاقة متجددة وتعزيز مقاومتها للتغير المناخي.
وفي يونيو الماضي، أعلن بايدن ونظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، عن مبادرة “التكيف في إفريقيا”، وأشارا إلى أن “لديها القدرة على تحقيق فوائد تراوح بين 4 و10 دولارات في مقابل كل دولار يتم استثماره”.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة التعاون الدولي المصرية قيام مؤسسة صناديق الاستثمار في المناخ (CIF) “بدء تطبيق مبادرتها حول استثمارات الطبيعة والمناخ ، في مصر وعدد من الدول الناشئة الأخرى والتي تبلغ قيمتها نحو 350 مليون دولار”.
وأقرت الإدارة الأميركية، خلال القمة الأميركية الأفريقية التي عقدت في واشنطن الشهر الجاري، تخصيص 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى ثلاث سنوات للصحة والاستجابة لتغير المناخ وإنشاء مشاريع في مجال الطاقة الخضراء.
ويرى كبير الباحثين في المجلس الأطلسي وأستاذ شؤون البيئة والتغير المناخي وأمن واقتصاديات الطاقة في جامعة جونز هوبكنز، بول سوليفان، أن تعهدات الولايات المتحدة بالنسبة لأفريقيا ستساهم في مكافحة تغير المناخ، مشيرا إلى أن هناك أسبابا أخرى لمساعدة القارة السمراء.
وقال في حديثه مع موقع “الحرة”: “تركز الولايات المتحدة أكثر على أفريقيا لأسباب تغير المناخ والعلاقات الدولية، ولكن أيضا للتنافس مع الصين وروسيا، حيث أصبح هناك الكثير من اللاعبين في هذه القارة”.
استثمارات خارجية
أعلنت واشنطن في الأول من نوفمبر الماضي، توقيع اتفاق بقيمة 100 مليار دولار مع دولة الإمارات لدعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار في بيان حينها: “من خلال الشراكة لتسريع (استخدام)الطاقة النظيفة، ستركز الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة على التطوير التدريجي لمصادر الطاقة المنخفضة الانبعاثات، بهدف توليد 100 غيغاوات من الطاقة النظيفة في العالم بحلول عام 2035”.
وأشار البيان إلى أن الشريكين سيستثمران “100 مليار دولار لتمويل الطاقة النظيفة في البلدين ودعم استثمارات تجارية ضخمة وتقديم مساعدات أخرى للدول الناشئة التي تعاني تنميتها النظيفة من نقص التمويل وهي ضرورية للجهود العالمية في مجال المناخ”.

خطة بمئات المليارات
وفي أغسطس الماضي، أقرّ الكونغرس الأميركي خطّة بايدن ضخمة تزيد قيمتها على 430 مليار دولار، للاستثمار في المناخ والصحّة، أطلق عليها اسم “قانون خفض التضخم” في انتصار سياسي كبير للرئيس الديموقراطي الذي أعلن أنها تهدف إلى وضع البلاد على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافها لناحية خفض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري.
يعد التشريع أكبر استثمار في تاريخ الولايات المتحدة في إطار مكافحة التغير المناخي، حيث ينص على إنفاق 370 مليار دولار للطاقة النظيفة والمناخ.
وبدلا من السعي لمعاقبة كبرى الجهات المتسببة بالتلوث في الولايات المتحدة، يطرح مشروع القانون الذي أعدّه حزب بايدن سلسلة حوافز مالية تهدف لدفع أكبر اقتصاد في العالم للتخلي عن الوقود الأحفوري.
وسيتم منح منتجي ومستهلكي الطاقة النووية وطاقة الرياح والشمس اعفاءات ضريبية.
ويمثّل ذلك إعفاءات ضريبية تصل قيمتها إلى 7500 دولار لكل أميركي يشتري مركبة كهربائية. وسيتم دعم أي شخص يختار تركيب ألواح شمسية على سطح منزله عبر تغطية 30 في المئة من الكلفة.
وسيتم أيضا تخصيص حوالى 60 مليار دولار للصناعات المرتبطة بالطاقة النظيفة، من توربينات الرياح وصولا إلى معالجة المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية.
كما سيخصص المبلغ ذاته لبرامج تهدف للمساعدة على زيادة الاستثمارات في المجتمعات الأفقر، لا سيما عبر تقديم مساعدات لتجديد المنازل من أجل تحسين كفاءة الطاقة والوصول إلى وسائل نقل أقل تلويثا للبيئة.
وسيتم تخصيص استثمارات ضخمة للتخفيف من احتمال اندلاع حرائق في الغابات وحماية المناطق الساحلية من عوامل التعرية الناجمة عن الأعاصير المدمرة.
وتهدف الخطة مساعدة الولايات المتحدة على خفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 40 في المئة بحلول العام 2030، مقارنة مع مستويات العام 2005.
وبينما ترحب دول الاتحاد الأوروبي بالالتزام الجديد بانتقال الطاقة، فإنها تخشى أن يضع قانون خفض التضخم البالغ 430 مليار دولار شركاتها في وضع حرج.
وتنص خطة بايدن على إصلاحات ومساعدات للشركات التي تتمركز في الولايات المتحدة، لا سيما في قطاعي السيارات الكهربائية أو الطاقة المتجددة، مما يثير قلق الاتحاد الأوروبي الذي يدعو إلى مزيد من “التنسيق” ويخشى انتقال شركاته عبر المحيط الأطلسي.
ويقول سوليفان “يمكن حل التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن الخطة، لكنني أشك في أن واشنطن ستدخل تعديلات كثيرة عليها. معربا أن الأفضل للاتحاد الأوروبي أن يحذو حذو الولايات المتحدة.
ويرى سوليفان أنه إن كان من معيق لتنفيذ خطة بايدن فإنه سيكون من خلال الحزب الجمهوري الذي حصد الأغلبية في مجلس النواب بعد الانتخابات النصفية الأخيرة التي جرت في نوفمبر الماضي.
وقال: “قد يكون تنفيذ قانون خفض التضخم أكثر صعوبة مما كان عليه قبل الانتخابات الأخيرة”، مضيفا أن “الجمهوريين سيحاولون إيقاف تنفيذ العديد من بنود القانون”.

“لا توجد طاقة نظيفة تماما”
وأشاد سوليفان بخطة بايدن وقال إنها ستحسن من حالة تغير المناخ.
وقال: “قد يكون تركيز إدارة بايدن على الطاقة النووية مفيدا لتغير المناخ، حيث تنتج انبعاثات أقل بكثير على سلاسل التوريد من تشغيل النفط والفحم والغاز”.
وأضاف: “يركز القانون أيضا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية وكفاءة الطاقة، كل هذه أمور يمكن أن تكون جيدة للمناخ”.
لكنه أشار إلى أنه يجب التأكيد في نفس الوقت أنه “لا توجد طاقة نظيفة في العالم”، مشيرا إلى أن السياسيين وغيرهم يسيئون استخدام هذه العبارة، “لكن بعضها أنظف من الآخر”.
وقال: “على سبيل المثال، من غير الصدق، القول إن بطاريات الليثيوم التي تستخدم الكوبالت من جمهورية الكونغو الديمقراطية نظيفة، إنها ليست كذلك سواء ماديا أو أخلاقيا حيث يحدث التعدين بوسائل غير نظيفة، وكذلك يتم استعمال الأطفال والعمل القسري في عملية استخراج الكوبالت، كما تتطلب أنظمة الطاقة الجديدة الكثير من التعدين والتي بدورها لن تكون نظيفة”.
يشير سوليفان إلى أنه في نفس الوقت الذي تساهم فيه واشنطن بتقليل الانبعاثات، فإنها وبسبب تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا، والتهديدات الصينية لجيرانها، تركز على أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما، “إنها تزيد من إنتاجها من النفط والغاز، وستزيد صادراتها من النفط والغاز، وهذا يعني أن هذه الصادرات ستضيف إلى الانبعاثات من الأماكن التي تستورد الوقود”.

“الصين أكبر مصدر للانبعاثات”
ويرى سوليفان أنه بالرغم من أن خطة بايدن بها الكثير من نقاط القوة التي تساهم في مكافحة تغير المناخ، لكنها تنطبق على الولايات المتحدة فقط، وليس على العديد من البلدان الأخرى التي لديها انبعاثات خطيرة، “الصين على سبيل المثال هي أكبر بلد مصدر للانبعاثات وتستمر في زيادة استخدامها للفحم”.
وحدد بايدن مثل سلفه دونالد ترامب الصين باعتبارها المنافس العالمي الأول للولايات المتحدة، متعهدا إعادة توجيه السياسة الأميركية لتتمحور حول هذا التحدي.
لكن إدارة بايدن وعدت أيضا بالعمل مع الصين فيما يتعلق بالمصالح المشتركة مثل أزمة التغير المناخي.
والتقى المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري بنظيره الصيني شي جينهوا خلال قمة المناخ في مصر، ما يمثل مزيدا من خفض التوتر.
لكن سوليفان يقول: “لست متأكدا من أن التعاون بين واشنطن وبكين بشأن المناخ سيستمر في ظل توترات أكثر سوءا من أي وقت مضى”. وأكد بايدن في خطابه في مؤتمر المناخ الأخير في شرم الشيخ أن “كل الدول يجب أن تبذل المزيد. خلال هذا الاجتماع علينا تجديد طموحاتنا المناخية ورفعها”، مؤكدا أن الولايات المتحدة تقوم بما عليها في هذا النضال للحد من الاحترار المناخي. وأضاف بايدن “هذا واجب قادة العالم ومسؤوليتهم. الدول القادرة على المساعدة يجب أن تساند الدول النامية حتى تتمكن من أتخاذ قرارات حاسمة على صعيد المناخ، من تسهيل عملية انتقال الطاقة فيها وتعزيز مسار الازدهار المتماشي مع ضروراتنا المناخية”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة