أين الثرى من الثريا ؟

-1-
اذا كانت اللذاذات المادية تفتن الكثير من الناس وتشدهم اليها ، فانّ العلم والأدب لذاذاتان معنويتان تعوّض العلماء والأدباء عن جميع ما فاتهم من اللذاذات المادية .
ثم ان اللذاذة المادية سرعان ما ينتهي مفعولها وتزول، ولكنّ اللذاذة المعنوية قد لا يزول أثرها حتى بعد موت صاحبها ..!!
الم تقرأ ما قيل في بعض الكتب :
هذا كتاب لو يُباع بِوَزْنِهِ
ذَهَباً لكانَ البائعُ المغبونا
ان النشوة التي يعيشها العالم وهو يتوصل الى حَلّ مشكلة علمية لا تُقارن بوجبة دسمة من الطعام، فيها ما لَذّ وطاب ..!!
وانّ القصيدة التي يكتبها شاعر أديب في تصوير معاناة الفقراء والمستضعفين مثلاً لا توازن عنده بحفنة من الدنانير …
وقد نقل عن بعض العلماء انه كان غارقا في مطالعاته محاطاً بأكوام من الكتب فرفع رأسه وقال :
أين الملوك من هذا ؟
انّ نشوة العلم أكبر عنده من كل المناصب السلطوية .
وحين ترى الملوك على أبواب العلماء يمكنك أنْ تركن اليهم وتقول :
انهم نعم الملوك وقد قصدوا نعم العلماء .
أما اذا رايت العلماء على أبواب الملوك فان الحكم ينقلب عليهم ،وتقول: بئس العلماء وبئس الملوك،
ويكفي العلم قدراً انه أصبح أعلى شأنا من كل المناصب التي لا تدوم لأهلها .
-2-
وكتب أحد العلماء يوصي من يقرأ كتابه بعد موته :
يا ناظراً في الكتاب بعدي
مُجْتنِيَاً مِنْ ثمار جهدي
بي افتقارٌ الى دعاءٍ
تُهديه لي في ظلام لَحْدي
بموته انقطع عمله ،
وهو لا يطلب ممن استفاد من كتابه مالاً ولا عوضا ماديا على الاطلاق، وانّما يطلب منه أن يذكره بصالح الدعاء وهو في ظلمات قبره منقطعا عن الدنيا وما فيها .
ويصور أحد الأدباء علاقته المتميزة بالكتاب فيقول :
حبيبي من الدنيا الكتابُ فليس لي
الى غيره مالي اليه مِنَ الفَقْرِ
كأنَّ لُصوقَ الروح بالروح مانِعٌ
دُنَوّا بلا بُعدٍ ووصلاً بلا هَجْرِ
-3 –
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانوا يقولون :
مصر تكتب
وبيروت تطبع
والعراق يقرأ
أما اليوم – فللاسف الشديد – فان الكتاب يشكو الوحشة لقلة القرّاء، ومبيعات الكتب متدنية الى حد بعيد .
كما انّ المنسوب الأدبي قد انخفض هو الآخر، وأبناء الضاد – في الغالب- أصبحوا يحسنون اللغات الأخرى، فيما هم بعيدون كل البعد عن لغتهم .
وما هذه السطور الاّ تذكرة ورجاء لتدشين مرحلة جيدة تنفض جموع شبابنا فيها غبار (الإهمال) وتبدأ عملية (الاقبال) على القراءة كما كانت عليه الحال في سبعينيات القرن المنصرم ليعود العراق في صدارة القرّاء العرب قبل ان تحل الكارثة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة