أجسادهم فزّاعة للطيور

كريم النجار

1
ما تبقّى

وزّعنا الدّقيق عليهمْ والتهمنا الخُبز
كانوا ينظرون إلى السنابل والأحراش:
أجسادهُم فزّاعةٌ للطيور
وكانوا يمسحون أيديهُم من الوحل
ويبتهلون لربٍّ يجلسُ فوق الغيم
ولمْ يغرقوا في مسارب الفيضان
حتّى بعد ما غرقوا فيه.

2
أُولئك المهازيلُ
أجْدادي
تصطكُّ أسنانُهم على الدّشاديش
وهُم يعبرون النهر
وهُم يفلحون أجساد نسائهم
وهُم يتوضؤون بالبرد
لمْ يُدركوا حكاية جلجامش
وهو يتتبّعُ خيط الحياة
المُنعقدُ على شفة سيدوري.

3
تلك الأرضُ،
نفخر من صلصالها
تماثيل وأرواحًا.
وحولنا أشجارها عجلاتٌ
تركضُ في كلّ الأزمنة
نبني المدينة من غرينها
ونكتبُ الأساطير على اللوح
اللوحُ الّذي هشّمته «التوماهوك» منذُ سنواتٍ
بألعابها الناريّة.
هل بقي شيء من الورق والتّدوين
في حريق البلاد
التي تركضُ سريعًا إلى مثواها؟
هل بقي شيء من رماد الروح؟
حتّى أنثرهُ على شاطئيك، إيّتها البلاد
وأطفئُ هذا السّعير
المُتوارث مُنذُ «السقيفة»
وحروب الأخوة الخيال.

هندستُ خيال الرحلة، واصطحبتُ كتابك معي. الكتابُ الصّغيرُ والوحيدُ، ذو الغلاف الرطب، الذي ملأنا حواشيه بالقصص والأحداث والصّور والأفكار، وحينما هممتُ إلى فتح الدُرج باحثًا عن أوراقك
سقط الدّفترُ الأوّل من بين يدي
أوراقه صفراء: عبثت بها الأعوام وسلّمتها إلى النسيان والهجرة الأبديّة
الدّفتر الثاني: كانتْ أوراقه رصاصيّة تميلُ إلى الغموض والتشوش، رُبّما كان الدّفتر، ينتظرُ فاجعةً أخرى ليس لها حسابٌ لدى الأرقام والأيّام
ثمّ سقط الدّفترُ الأبيض: ذاك الذي شطبنا فيه كلّ ما كتبناه فاختفت الصورُ من صفحاته
والدّفتر الأسود: بعد ما هجع الغُراب فوق الشجرة وتساقطتْ دموعُه على الغصن الرطب تحته
فنسيتُ رشقات المطر الباكيّة والتي بلّلت كتفي وغطّتْ الحقول.

لن أقع في الخطأ والتكرار ثانيّةً
تكفيني حياةٌ واحدةٌ
واحدةٌ
مثل نفسٍ عميقٍ
في الحقول

4
هذا الحُلمُ لي
وتلك اليقظةُ لك
محالٌ أن تمتزج الرؤيّة بالصّدمة
دُون انفجارٍ.

5
ستقولين عني
إنّي رجلٌ لا يُبالي بشؤون الكون
ولا بالتفاتةٍ فاتنةٍ من راكبة الدرّاجة
وفُستانها يلتوي في الهواء
ولا بجسرٍ كأنّه الضّفةُ الأخرى
ولا بالصور
يلتقطُها الأصدقاءُ برحلاتهمْ السعيدة
ولا بالماضي
والحاضر الأقسى منه
لكنّك، حتمًا
ترتعشين
حينما أُقبّلُ القُبلة العميقة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة