كانت الصومال أول دولة في العالم تحمل لقب الدولة الفاشلة بعد سقوط نظام محمد سياد بري فيها عام 1990. ولم يكن الناس قد سمعوا بهذا النعت من قبل، رغم أن بلداناً أخرى قد سبقتها إلى هذه الحال في عصور أخرى.
وبشكل عام فإن الدولة الفاشلة هي تلك التي لا تملك كياناً مستقلاً، أو غير القادرة على القيام بوظائفها الأساسية.
تنتمي جل الدول الواقعة تحت هذا التصنيف إلى ما كان يعرف سابقاً بالعالم الثالث أو دول الجنوب، في النطاق الذي يشهد تغييرات مناخية كبرى، بين مداري الجدي والسرطان. مثل الجفاف وانحباس الأمطار في سنوات، وهطولها بغزارة في سنوات أخرى. ونتيجة لذلك تجدب المناطق الزراعية، ويشرع السكان بالنزوح عنها إلى المدن. وبمرور الوقت يستشري الفقر، ويحدث التفكك الاجتماعي، وتقع الدولة تحت هيمنة المافيات. وقد وضعت مجلة السياسة الخارجية الأميركية عام 1993 ثلاثة عشر معياراً لتحديد «الفشل النسبي» للدولة، تتراوح بين الضغوط السكانية المتزايدة، والهجرة المزمنة، والتنمية الاقتصادية غير العادلة، والفساد، وتدهور الخدمات، والتدخل الخارجي.
إن الاحترار الكوني ظاهرة مناخية، تسببها انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن تزايد الطلب على النفط والفحم. وتقوم بمنع ارتداد أشعة الشمس إلى الفضاء الخارجي. ويقدر العلماء أن هذه الظاهرة رفعت معدل درجة الحرارة في هذا الكوكب درجة مئوية واحدة حتى الآن، وجعلت الجفاف سمة غالبة في كثير من البلدان.
ما يهمنا في هذا الموضوع هو ما يتعرض له العراق من فشل نسبي. فبعض المعايير سالفة الذكر تنطبق عليه بشكل أو بآخر. غير أن أحداً لم يلتفت إلى المعضلة الأساسية التي أوصلته إلى هذه الحال.
إن أحزمة البؤس التي تطوق المدن الكبرى، وتتغلغل أحياناً في داخلها، ما كانت لتقوم لولا الجفاف الذي قضى على أي أمل بعودة النشاط الزراعي إلى الأرياف. وتعمل هذه الأحزمة على إنتاج المعايير الأخرى للدولة الفاشلة مثل الفساد والجريمة والمخدرات والوفرة السكانية. فتسبب نقصاً هائلاً في الخدمات وفرص العمل والاستقرار الأمني والسياسي، وتؤدي إلى هجرة جديدة نحو بلدان العالم المتقدم، بطرق مشروعة وغير مشروعة.
ومن الغريب أن الجامعات العراقية التي تزايد عددها الآن بشكل غير مسبوق، لم تستطع أن تعد أي دراسة عن هذا الموضوع. وعلى حد علمي فإن بحثاً أكاديمياً على غرار «قضاء الفاو – دراسة في الجغرافية الزراعية» للراحل سالم سعدون المبادر في السبعينات لم يتكرر حتى الآن. والمؤسف أن هذا البحث فقد قيمته في الثمانينات، حينما أتت الحرب على كل النشاط الزراعي في المنطقة!
لا تقتصر مهمة النخبة على توجيه الانتقادات والتظلمات، بل لا بد أن تتجاوزه إلى دراسة الظواهر الأساسية التي تحدث بين حين وآخر، وتؤدي إلى تغيير حاد في البنى الاجتماعية والثقافية فيها. وبغير ذلك ستبقى البلاد في إطار الدولة الفاشلة حتى وقت طويل.
محمد زكي ابراهيم