محمد زكي ابراهيم
لم يزل العراق جاذباً للعمالة الأجنبية منذ الألف الرابع قبل الميلاد، حتى يومنا هذا، ربما بسبب موقعه الجغرافي، وطبيعته السهلية ومياهه الوفيرة. وإلى ذلك يرجع تنوعه اللغوي والعرقي. وفي العصر الحديث تجدد الأمر بعد الحرب العالمية الأولى. واستمر حتى عقد السبعينات، حينما أرغم المقيمون على العودة إلى بلدانهم، وجيء في ما بعد بجالية عربية كبيرة لتحل محلهم.
ومن وجهة نظر عروبية فإن الاستعانة بعمالة آسيوية مثلاً هي أفضل بكثير من العمالة العربية، لأن الوافدين الأجانب سيكونون أدوات لنشر الثقافة العربية. ويشكلون امتداداً لها في بقاع أخرى من هذا العالم.
وقد أصبح وجود عمال خدمات من بنغلادش والهند ظاهرة شائعة في مجتمعنا. وشكلوا رقماً لا يستهان به في شركات المقاولات والقطاع الخاص. والمدهش أن هؤلاء أتقنوا العربية الدارجة خلال أشهر قليلة. وباتوا يتحدثون بها مع بعضهم البعض أحياناً. ومن المفارقات أنني كنت أتردد على ورشة لصيانة السيارات، يعمل فيها شبان من الهند وبنغلادش وباكستان. فوجدت أن لغتهم المشتركة التي يتفاهمون بها هي العربية. مع أنهم جميعاً كانوا مواطنين في بلد واحد هو الهند حتى عام 1947.
وبالطبع فإن هذه الظاهرة موجودة على نطاق واسع في دول الخليج. فالآسيويون هم العمالة المفضلة هناك، لأنهم يتعلمون العربية بسرعة. المسلمون منهم يعدونها لغة مقدسة لا بد من إتقانها. وغيرهم يدرك أنها مفتاح الحصول على وظائف أفضل في بلاد العرب.
وصفوة القول أن هناك آفاقاً واسعة لنشر الثقافة العربية خارج حدودها التقليدية. ولا يحتاج الأمر إلا لجهود قليلة تعزز مكانتها في تلك البقاع، وتجعلها لغة قطاعات كبيرة فيها. بل أن ذلك يمكن أن يكون مقدمة لتعريب مناطق واسعة. مثلما حدث مع جميع الأقطار التي تتحدث العربية الآن في أفريقيا على وجه الخصوص.
والواقع أن نشر اللغة العربية ليس موضوعاً ثقافياً، يجعل شعوباً كثيرة تهتم بما يكتب وينشر ويذاع في بلاد العرب فحسب، بل هو موضوع سياسي وحضاري واقتصادي أيضاً. لأن إضافة ملايين جديدة إلى أمة العرب، في أماكن نائية، سيجعلها درعاً يقي العرب من كثير من التعديات. ويتيح لها إنشاء علاقات تعاون واسعة معها.
لقد حوربت العربية في مراحل كثيرة من التاريخ، ولولا ذلك لكانت اللغة الأولى في العالم. فقد حاول الأتراك – الذين كانوا يحكمون باسم الخلافة الإسلامية – محو هذه اللغة، وتتريك الناطقين بها. كما حاول الفرنسيون والإنجليز استبدال العربية في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، بلغة المستعمر. وقد فشل هذا الأمر في تونس والجزائر مثلاً، إلا أنه نجح في بلاد أخرى عربية الهوى، مثل تشاد ومالي والنيجر !
لا أجد مبرراً لتقاعس العرب عن التدخل في هذه المناطق، رغم حاجتهم إلى دماء جديدة قادرة على قلب المعادلة القديمة، وإعادة الاعتبار للعربية كواحدة من أهم لغات العالم على الإطلاق.