ليالي شهرزاد

لم أوفق حتى هذه اللحظة في العثور على كاتب عربي ينتمي للمدرسة السوريالية، ويتبنى نهجها بشكل واضح. ولم أجد من يجرؤ على القول أنه سوريالي قح. صحيح أن هناك أشخاصاً تبنوا هذه الفكرة، وألفوا فيها، لكنهم لم يكتبوا بالعربية. فالأخيرة كما يبدو قاصرة عن التعبير عن مفرداتها. ومن هؤلاء الكاتب المسرحي اللبناني جورج شحادة (1905 – 1989)، الذي وضع كل مؤلفاته بالفرنسية. ومثلت مسرحياته في مختلف أنحاء أوربا. لكنه غير معروف جيداً في بلاد العرب.
ورغم ذلك ما زلت أقرأ بين الحين والحين من يثني على السوريالية من النقاد العرب، ويضعها في منزلة رفيعة لكونها إحدى روافد ما بعد الحداثة. دون أن تكون هناك أي ملامح لهذه الظاهرة في مجتمعنا كما يعرف الجميع.
لقد بنت الواقعية أمجادها في أوربا خلال القرن التاسع عشر، على مبدأ القبول بالأمر الواقع، والرضا بما هو ممكن، بغض النظر عما فيه من مساوئ. فكان أن وجهت لها أصابع الاتهام بتخريب الحياة السياسية والاجتماعية في أوربا. وكانت ذروة ذلك اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي خلفت عشرات الملايين من الضحايا. وقد قدمت السوريالية التي تعني فوق الواقعية، انتقادات لاذعة لها وتبرأت مما أحدثته من مآس بحق الإنسانية.
وأول من أسس لهذه الحركة الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896 – 1966) قبل مئة عام تقريباً. على أنقاض الدادائية التي أعلنت موتها في وقت مبكر حوالي عام 1924، بعد أن غرقت في السلبية ومعاداة الفن والمنطق والتاريخ. ولم يرق ذلك لبريتون الذي عد أن «اللاوعي هو منبع الخيال، ويمكن تحقيقه من خلال الشعراء والرسامين على حد سواء» أما كيف يتحقق ذلك فإن « الإنسان الذي لا يستطيع أفق خياله أن يمتد ليشمل تجسيد رؤيا جواد يعدو فوق سطح حبة من طماطم، هو شخص ضيق الأفق!». وقد اشتهرت الحركة بفنانيها الكبار مثل بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وجوان ميلو، ولوحاتهم القائمة على الشخصيات المشوهة، والخداع البصري، والأبعاد المتنافرة، والجنس، وغيرها.
وقد لفت نظري أن السورياليين تأثروا بشكل واضح بقصص ألف ليلة وليلة، التي ترجمت إلى اللغات الأوربية منذ وقت مبكر. ووجدوا فيها خير من يعبر عن أسلوبهم الفكري. ذلك أن شهرزاد شخصية إيجابية جهدت في إصلاح الملك والعالم عبر قصص خيالية لا تمت للواقع بصلة. وهي لا تمثل الأجواء التي تضج بالشهوة والأحلام والحب والسحر والغرابة فحسب، بل هي جزيرة الخلاص، التي استطاعت احتواء شهريار وحولته إلى شخص سوي ناضج.
مازال الأدب العربي حتى هذه اللحظة غارقاً في أوهام الحداثة التي جعلته مقلداً لا مبدعاً، تابعاً لا متبوعاً، دون أن يعي أن بإمكانه أن يقدم نماذج غاية في القوة والابتكار. فليالي شهرزاد التي تعود للقرن الثاني عشر الميلادي، هي أسطع دليل على أن النص النابع من طين الأرض، هو الأقدر على البقاء والتأثير والخلود من أي فكرة دخيلة أخرى.

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة