الصناعة الوطنية: إهمال وتهميش ومنافسة المستورد

بهاء عبد الصاحب كريم

جميع دول وبلدان العالم تفتخر بصناعتها الوطنية، اذ تفتخر بريطانيا بانها مفجرة الثورة الصناعية في العالم وتفتخر اليابان بان جميع بلدان العالم تستعمل منتجاتها ولا يختلف اثنان لولا منتجات الصين لما استطاع احد شراء اي منتجات كهربائية او صناعية او العاب الاطفال وذلك لرخص ثمنها وجمال شكلها وخلال مشاهدتنا لايران كيف استطاعت ان تقف بوجه الحصار الذي فرضته عليها اميركا والدول الكبرى واستطاعت ان تكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها باعتمادها على المنتج الوطني في الصناعة والزراعة وكذلك في مجال التسليح وغيرها في جميع المجالات، بينما يعاني في العراق قطاع الصناعة بعد عام 2003 واقعا مترديا في جميع مفاصله وشللا شبه تام لجميع المنشئات الصناعية والمصانع الكبيرة والمعامل الصغيرة للقطاعين الحكومي و الخاص بعد ان كانت صناعتنا الوطنية مزدهرة ومتطورة و مواكبة لاخر التطورات التكنلوجية بالرغم من الحروب وسنوات الحصار الطويلة والسياسات الخاطئة التي ادخلنا فيها النظام السابق.
ولكن برغم كل هذه الظروف وغيرها التي مرت على العراق الا ان عجلة الصناعة العراقية تدور وآلات المصانع الحكومية والقطاع الخاص تعمل وتنتج السلع والبضائع ومنتجات الالبان والمعلبات التي تحمل جودة كبيرة و ضمن المواصفات العالمية التي وضعت من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونبحث عن اجابته هو لماذا اصبحت الدولة العراقية و جميع قطاعاتها و وزاراتها مستهلكة و ليست منتجة و لماذا اصبحت عالة على الاقتصاد العراقي وعلى الموازنة ولماذا اصبح الآلاف من منتسبي المعامل والمؤسسات تتسلم رواتبها من وزارة المالية على شكل قروض تحتسب على وزارة الصناعة بعد ان كانت وزارة الصناعة تكتفي ذاتيا وتسهم برفد ميزانية الدولة العامة بايرادات مالية كبيرة ومنتجاتها تسد السوق المحلية.
في هذا التحقيق سنبحث عن الاسباب والمسببات والعراقيل التي تواجه الصناعة العراقية وايجاد طرق للحلول الناجحة من اجل بناء صناعة وطنية متميزة ونفتخر ونتباهى بها.
الدكتور (عادل الاسدي) استاذ في الاقتصاد الدولي يقول: ان من اهم اسباب فشل قطاع الصناعة الوطنية هو تدمير البنى التحتية للقطاع الصناعي و بالاخص المنشآت العملاقة والمصانع الكبيرة بل وحتى المصانع المتوسطة والصغيرة وكذلك تدمر ما يسمى بهيئة التصنيع العسكري التي كان من الممكن تحويل مصانعها من الصناعة العسكرية الى الصناعة المدنية والعامة، ما أدى الى جعل العراق وصناعته الوطنية ضعيفة وتابعة.
وأضاف: لم نجد خطة او دراسة او بوادر لانعاش الصناعة الوطنية من قبل صناع القرار العراقي و لكننا نجد حلولا و قتية و ترقيعية و كأن العراق لا يمتلك طاقات بشرية وعلمية وخبراء لرسم استراتيجية لبناء الصناعة الوطنية والاعتماد على المنتج الوطني والاكتفاء الذاتي.
من جانبه، قال المهندس هشام محمد حسين: كان العراق ومنذ ايام الحكم الملكي وتأسيس الدولة العراقية يعتمد على الصناعة والمنتجات الوطنية حيث بدأ ببناء المعامل الكبيرة في جميع محافظات العراق مثل معمل الورق ومعامل السكر ومصانع الاسمنت ومصانع المنتجات الجلدية ومعامل الزيوت ومساحيق الغسيل و مصانع تعليب المنتجات الغذائية و الالبان ومعامل الغزل والنسيج وغيرها من المعامل والمصانع وجميعها أنشئت في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
وأضاف: أما الآن فأحد أهم الاسباب هو تبؤ المسؤولين والمدراء وبعض القيادات غير الكفؤة على رأس صناع القرار في القطاع الصناعي وذلك بسبب مبدأ المحاصصة التي تجري على اساسها العملية السياسية في البلاد والتي تم تطبيقها في جميع مفاصل المؤسسات الحكومية والتي وصلت الى المناصب الصغيرة و كذلك استبعاد الكفاءات العلمية التي تمتلك الخبرة الطويلة في مجال الصناعة و تهميش دورهم في اعداد خطط حقيقية لانقاذ الصناعة الوطنية والذي ادى الى هجرتهم الى خارج البلد.
وقال المحامي أمير محمد علي: ان الفساد الاداري والمالي في جميع مؤسسات الدولة ومنها وزارة الصناعة وغياب الرادع القانوني والاجراءات الصارمة لمحاربة المفسدين والمتورطين بسبب المحاباة والمجاملات السياسية بين جميع الكتل والاحزاب المشتركة في العملية السياسية وكذلك استهداف الكفاءات العلمية والتي تتمتع بالخبرات العلمية في مجال الصناعة واهمال المنشآت الصناعية الكبيرة والمصانع والمعامل التي اصابها التدمير، كل هذا أسهم في تردي الواقع الصناعي في العراق.
سعاد الجبوري حرفية صناعي، تقول: ان من اهم مسببات ضعف الصناعة الوطنية في العراق هو عدم الاهتمام بمجال البحوث العلمية والذي يعد من اهم العوامل التي تؤدي الى النهوض بالقطاع الصناعي وتطويره على وفق احدث التطورات التكنلوجية في العالم وعدم وضع التخصيصات المالية للبحث العلمي وعدم احتضان الكفاءات العلمية المتميزة وحمايتها من الاغراءات الخارجية وكذلك عدم حماية الصناعة الوطنية والمنتجات المحلية من المنافسة مع مثيلاتها المستوردة وفتح ابواب الحدود على مصراعيها امام الاستيراد العشوائي لجميع انواع السلع والمنتجات الرديئة في ظل شبه غياب لدور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية والرقابة وغياب القوانين والتشريعات التي تنظم عملية الاستيراد في البلد.
بدوره يقول سعد حسام الدين، مستثمر وصاحب معمل لانتاج المطابخ الحديثة: لم نجد سياسة استثمارية حقيقة في البلاد ما أدى ذلك الى ضعف دور الاستثمار في الجانب الصناعي وعدم وجود تخطيط استثماري حقيقي للنهوض بهذا القطاع المهم و الذي يساهم في اقتصاد البلد بشكل عام و القطاع الصناعي بشكل خاص وذلك بسبب الصراعات السياسية بين الكتل والاحزاب وعدم وجود اصحاب الخبرة والاختصاص في اغلب مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية وكذلك الاهمال الحكومي الواضح للقطاع الخاص في البلاد وبالاخص المختص في مجال الصناعة وعدم تقديم الدعم المالي والفني والاستثماري وعدم التعامل مع هذا القطاع كشريك اساسي مع القطاع العام للنهوض بالواقع المتردي للصناعة الوطنية.
المواطن علي عبد السلام، يقول: غادرت العراق بعد العام 2003. كنت املك بعض المال وعندما وصلت الى مصر واردت ان افتح مشروعا وجدت هناك الكثير من الترحيب حيث قدمت لي النصائح والخطط وقمت بفتح مشروعي وهو معمل لانتاج الاحذية والحقائب لانها كانت مهنتي في العراق كنت صاحب معمل في منطقة حافظ القاضي في بغداد والفرق بين العراق ومصر هو ان العراق اكتفى بالاستيراد مع عدم وجود حماية للمنتج المحلي بينما في مصر نجد هناك حماية للمنتج المحلي ووجود ضرائب على الاستيراد، فاستيراد يقتصر فقط على المنتجات التي لا توجد في السوق المصرية.
وأضاف: هناك تشجيع كبير للاستثمار من خلال تقديم تسهيلات كبيرة لهم لكون الاستثمار والذي يسهم في تطوير الصناعة في البلد ويحد من البطالة لكون اغلب العمال من ابناء البلد وكذلك توفير الاموال الصعبة للبلد ويسهم في دعم ميزانية الدولة.
في الختام لو اردنا بناء صناعة وطنية انموذجية ومحترمة ونكون دولة صناعية وليست مستهلكة علينا اتخاذ بعض الحلول المهمة منها اختيار الكفاءات العلمية ومن اصحاب الخبرة الطويلة في المجال الصناعي ووضعها في المناصب القيادية لادارة هذا القطاع الحيوي والمهم وكذلك الاسراع بوضع خطط تنموية على اساس علمي سليم للنهوض بالقطاع الصناعي وعلى المدى القصير والمتوسط والطويل الامد، والعمل الحقيقي لاعادة تأهيل المنشآت والمعامل الحكومية ورفدها بالايدي العاملة (العاطلين عن العمل) من خلال اقامة دورات تدريبية وتاهيلية لهم والعمل على القضاء على جميع حلقات الفساد الاداري والروتين في الدولة و تشريع قوانين التعرفة الجمركية وبنحو علمي ومدروس ودعم القطاع الخاص والتعامل معه كشريك و ليس كمنافس وتقديم الدعم والتسهيلات العلمية والفنية والمالية له ووضع خطط استثمارية حقيقية لجميع محافظات العراق و تشجيع الاستثمار من خلال التسهيلات المقدمة للشركات المستثمرة والتعاون بين السلطة التنفيذية (الحكومة) مع السلطة التشريعية (البرلمان) من اجل اصدار تشريعات مهمة تفيد الواقع الصناعي وتحسين الوضع الامني لتشجيع الشركات المستثمرة للعمل في العراق واستقطاب الاستثمارات الاجنبية والعربية لغرض تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبيرة و بالاخص الصناعية التي تحقق تنمية مستدامة للاقتصاد العراقي و اصدار التعليمات للوزارة والمؤسسات الحكومية و تلزمها بشراء احتياجاتها من السلع و البضائع من المصادر الوطنية وعدم السماح لها بالاستيراد من خارج العراق لاي سلعة موجودة في البلاد و الاهتمام الحقيقي بجانب البحث العلمي و رعاية الكفاءات و العقول العلمية و تقديم الدعم المادي و المعنوي وتوفير جميع مستلزمات البحث العلمي من اجل بناء صناعة وطنية عراقية متطورة و ارجاع العراق الى مكانته الصناعية المتقدمة.

* وكالات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة