د. حيدر حسين آل طعمة
ألحق النمط الريعي في التنمية والتمويل اختلالات هيكلية خطيرة طالت معظم القطاعات الاقتصادية في البلد ورهنت الافاق الاقتصادية للنمو والاستقرار بتذبذبات اسعار النفط في الاسواق العالمية والعوامل المتحكمة فيها. وفي هذا السياق، عطل تيار الوفرة النفطية القطاع الصناعي في العراق بعدما تحول البلد لمصدر للدولار النفطي ومستورد صافي لمعظم احتياجاته من السلع والخدمات على حساب تهاوي مساهمة القطاعات الانتاجية كافة وخصوصا الصناعي منها.
تشخيص المنظومة الصناعية
تتسم المنظومة الصناعية في العراق بجملة من الخصائص التي خلفتها عقود من سوء الادارة والحروب والادمان المفرط على النفط في تمويل الموازنة وتلبية حاجات البلد من السلع والخدمات الاجنبية، ومن ابرز هذه الخصائص:
1 – برغم ارتفاع حجم الوحدات الصناعية التابعة للقطاع الخاص (قرابة 17752 منشأة) تمثل 98.3% مقابل 1.5% مملوكة للدولة و0.2% ذات ملكية مشتركة. الا ان انتاج شركات القطاع العام في العراق يشكل قرابة 90% من اجمالي الانتاج الصناعي في البلد.
2 – على المستوى التكنلوجي تصنف 56% من معامل الشركات العامة بانها منتجة لمنتجات عالية ومتوسطة المكون التكنلوجي مقابل 28% منخفضة المكون التكنلوجي و16% معتمدة على المواد الخام. الا ان واقع القطاع الصناعي يفصح عن قدم المكائن والمعدات وضعف مواكبة واستخدام التطورات التكنلوجية والمنظومات الحديثة في السيطرة والتشغيل.
3 – تقدر نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي قرابة 2%، فضلاً على انخفاض القيمة المضافة لتصل الى قيم سالبة في بعض شركات القطاع العام. ويقدر حجم الشركات العامة المتوقفة عن العمل قرابة 30% حتى العام 2011.
4 – انخفاض معدلات الانتاجية وتزايد معدلات الطاقات الانتاجية العاطلة، حيث تعمل قرابة 70% من شركات القطاع العام بقرابة 30-50% من طاقاتها التصميمة. فضلا على تدني مستويات الجودة والنوعية الناجم عن ضعف الالتزام بالمواصفات القياسية للإنتاج.
5 – ضعف مساهمة القطاع الصناعي كمولد لفرص العمل وتشغيل الايدي العاملة في العراق، اذا يقدر اجمالي الايدي العاملة المنخرطة في هذا القطاع (عام، مختلط، خاص) قرابة 500 الف عامل. فضلا على اعتماد قرابة 40% من الشركات العامة على المعونات الحكومية في تسديد رواتب العاملين لديها، كونها شركات خاسرة.
6 – ضعف الاداء الاستثماري لشركات القطاع العام، وخصوصا فيما يتعلق بإنشاء شركات جديدة واعتماد التكنولوجيا المتطورة، وذلك نتيجة لتركيز التخصيصات المالية الحكومية على اعمال تشغيل المشروعات الحكومية القائمة ومعالجة الاخفاقات فيها.
7 – اهمال التأثيرات البيئية السلبية للأنشطة الصناعية الناتجة عن الملوثات الصناعية فضلا على وجود هدر واضح في استخدام الموارد والطاقة والمياه.
وإضافة الى التحديات الفنية التي تعوق تطور الصناعة في العراق هناك العديد من التحديات الخارجية ومنها ضعف بيئة الاعمال وغياب الاستقرار السياسي والامني والانهيار شبه الكامل في البنية التحتية من حيث توافر الطاقة الكهربائية وطرق النقل والمواصلات وضعف البنية التحتية المعرفية من شبكات اتصال وتكنولوجيا معلومات فضلا على غياب ابسط اسس الحوكمة وتفشي البيروقراطية والفساد المالي والاداري بنحو مرعب في معظم الحلقات الادارية لشركات القطاع العام.
سياسات الدعم والاسناد
منذ اطلاق الاستراتيجية الصناعية في العراق في تموز 2013، والحكومة تسعى لانعاش القطاع الصناعي ليكون دعامة لبرامج التنويع الاقتصادي وفك الارتباط بالمورد النفطي وتخليص الاقتصاد الوطني من الاحادية النفطية التي وسمت الاقتصاد منذ عقود. مع ذلك، تسبب انهيار اسعار النفط وغياب الاستقرار السياسي والامني واخفاق الحكومة في ادارة الملف الاقتصادي في ضياع فرص تفعيل واصلاح هذا القطاع ليكون قاطرة للنمو ومحركا لتوليد فرص العمل ونافذة اخرى لتدفق العملة الاجنبية الى البلد. وبرغم تعدد التحديات والعقبات التي تكبح عجلة التطور والانطلاق الصناعي في العراق فان تبني عدد من السياسات قد يكون ملائما لإعادة الحياة للصناعة العراقية، خصوصا مع ما تفرضه الضائقة المالية من ضغوط على الحكومة لتفعيل الموارد الحكومية البديلة للنفط.
ومن ابرز تلك السياسات:
1 – يتوجب ان يكون دعم الصناعة الوطنية على وفق استراتيجية جديدة تستوعب جميع التحديات الداخلية والخارجية التي تعوق انطلاق القطاع الصناعي في البلد، ويتوجب بهذا الخصوص تشكيل لجان عمل مشتركة تضم خبراء وممثلين عن القطاع العام والخاص.
2 – الاسراع بسن القوانين والتشريعات الساندة لنهضة القطاع الصناعي ومنها تعديل قانون الاستثمار المعدني (رقم 91 لعام 1988) وتعديل قانون الاستثمار الصناعي (رقم 20 لعام 1998) وتعديل قانون دعم المشاريع الصغيرة والمدرة للدخل رقم (10) لسنة 2012 وقانون المدن الصناعية وقانون الطاقة المتجدد. وتوجيه وزارة المالية والجهات ذات العلاقة بتفعيل العمل بالنصوص الواردة في قانون التعرفة الجمركية رقم (22) لعام 2010 وتعديل الرسوم وبما يسهم في رفع المقدرة التنافسية للمنتج العراقي والحد من اغراق الاسواق العراقية بمنتجات اجنبية تكبح فرص نهوض القطاع الصناعي في البلد.
3 – تذليل الاجراءات التي تعوق تدفق المواد الاولية المطلوبة كمدخلات للقطاع الصناعي من خلال تسهيلات الدخول الجمركي والاعفاء من الضرائب وغيرها من الوسائل، والعمل على تهيئة بنية تحتية مناسبة لممارسة الاعمال.
4 – الزام الوزارات وشركات القطاع العام وغيرها من المؤسسات الحكومية بالتعاقد مع وزارة الصناعة في توفير المستلزمات والسلع الضرورية، مع ضرورة رفع مستويات جودة المنتج وخضوعه لمقاييس نوعية عالية.
5 – توجيه شركات وزارة الصناعة والمعادن بالسعي لتخفيض كلف الانتاج في مصانع القطاع العام لدعم سعر المنتج المحلي بالتزامن مع الزام هذه الشركات بتطبيق المواصفات القياسية في الانتاج والتسويق ومتابعة تحديثها.
6 – الاستعانة بالخبرات الاجنبية واستقطاب الشركات الدولية لتطوير القاعدة الصناعية من خلال عقود المشاركة والادارة وادخال التقانة العالية لجميع اصناف الشركات والمؤسسات الحكومية المنتجة في البلد، فضلا على تدريب وتأهيل الكادر البشري المنخرط في هذا القطاع.
7 – قيام وزارة الصناعة والمعادن وبالتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار والمراكز البحثية ذات العلاقة برسم استراتيجية وطنية لتشجيع الاستثمار في القطاعات الانتاجية وبما يعزز من الاستغلال الامثل للموارد المحلية وزيادة الانتاج الوطني .
8 – تبني شبكة الاعلام العراقي ووسائل الاعلام الرسمية المختلفة مبادرة وطنية مستمرة لإطلاق حملة اعلانات ترويجية محترفة داعمة للمنتج الوطني وبالتنسيق مع المؤسسات الانتاجية في القطاع العام والمختلط والخاص لزيادة اقبال المستهلكين على المنتجات الوطنية.