وماذا عن موتى الأحياء ؟

-1-
قد يبدو التعبير بالموتى الأحياء غريباً لأول وهلة ، ذلك أنَّ الموت والحياة ضدان فكيف يجتمعان ؟

-2-
ان هذا التعبير وأضرابه متداول معروف بين الناس
فكم مِنْ كبيرٍ صغير ؟
وكم مِنْ غنيٍ فقير ؟
وكم مِنْ حاضرٍ غائب ؟
وهكذا …

-3 –
ان الموتى الاحياء ورد ذِكْرُهُم في بيتٍ شهير لشاعر عربي قال :
ليسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بِمَيْتٍ
انما المَيْتُ مَيِتُ الأحياءِ

-4-
ان الانسان الخامل الذي لا يُقَدّم أيَّ عطاءٍ على الاطلاق، من الصعب أنْ يكون من الأحياء حقيقةً، فالحياة تعني الفاعليّة ، وتعني القدرة على انجاز الاعمال النافعة للمجتمع سواء كانت في مجال الخدمات او كانت فكرية وعلمية وأدبية وثقافية …
وحين يُمنى الانسان بالجمود والتكلس، ويعيش الانطوائية والعزلة فكأنه أحد الموتى لشدة الشَبَه بينه وبينهم، حيث انهم لا يقوون على الحراك الماديّ ، ولا يسمع لهم صوت …!!

-5-
ومع اختلاف اللحاظ لا يمتنع اجتماع الوصفين المتضادين لأنَّ متعلقيهما مختلفان .
الصغير الذي لم يقطع من سنوات العمر الا قليلا لكنّه يملكُمِنَ المواهب ما يجعله قادراً على الإثراء، وبهذا العطاء يكون كبيراً ،
والغني الذي تكدست عنده الاموال واختزنها دون إنفاق هو في الحقيقة لا يختلف كثيراً عن الفقراء الذين يعانون شظف العيش
انه يخدم المال ولا يخدمه المال وبهذا يعيش فقيراً وإنْ كان غنيّاً ذا ثروة طائلة .
والغائب الحاضر هو الحبيب الذي غاب عنّا جِسْمُهُ ولكنَّحُبَّهُ يجري مع الدم في العروق، فهو حاضر وبأقوى ألوان الحضور .
-6-
وأبرز الاموات الاحياء هم الشهداء الذين كانت لهم صولاتهم وجولاتهم في ميادين الدفاع عن الدين والشعب والوطن .
فالشهيدُ يُولد ساعةَ يموت، ويبقى ذِكْرُهُ نابضا بكل معاني الحياة
قال كاتب السطور في حَقِّ الشهيد :
لستُ أَرْثِيهِ فهو وارثُ كنزٍ
مِنْ خُلودٍ وموتُه ميلادُ
وقال :
الشهداءُ عالَمٌ
مِنَ المعاني الفاضله

حياتُهم بموتهم
ونعمت المعادله
-7-
انّ موتى الاحياء يسيئون الى انفسهم قبل أنْ يُسيئوا الى الناس، فاذا كانوا في حياتهم مهجورين منسيين فكيف بهم اذا كانوا تحت أطباق الثرى ؟
-8-
وليحذر كلُّ عاقلٍ، فضلاً عن كل مؤمن، الركون الى الكسل والتهاون في أداء الواجبات، واصطناع المعروف، وإسداء الخير ، والسعي في مضمار الخدمة الانسانية النافعة وفقاً لما يقوى عليه .
فلن يضيع العمل النافع : لا عند الله، ولا عند الناس، ولن يُمحى مِنْ ذاكرة التاريخ .
وأما الاكتفاء باشباع الغرائز بعيداً عن شَرْفِ الاسهام بالخدمات النافعة فلن يجعله الا رقما من الارقام التي لا تُحصى في قائمة الأحياء الموتى .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة