ننام ..نأكل .. نتكلم !

قبل اكثر من عام ، كنت ضمن وفد إعلامي عربي في زيارة الى الصين الشعبية بهدف الاطلاع على تجربتهم في جميع المجالات ومنها في المجال الاعلامي .. وقد زرنا الكثير من المنشآت والشركات والمؤسسات واجرينا العديد من اللقاءات وشاهدنا كيف يمارس الصينيون حياتهم ، لذلك لا استغرب عندما اسمع ان الكثير من الامثال التي نتداولها هي صينية المنشأ ولكنها لاتشبه السلع التي يستوردها تجارنا الاشاوس من بلاد الصين العجيبة ! .. وعلى الرغم من الانسجام عالي المستوى بين اعضاء الوفد العربي وبين مرافقينا الصينيين ، الا انني كنت اقرأ في كثير من الاحيان علامات التبرم والانزعاج بادية على صفحات وجوه مضيفينا ، لاسباب لم تكن واضحة !
المهم في اليوم الاخير لرحلتنا إلى الصين تحدث كل منا عن انطباعاته, وبالتأكيد ان جميع المتحدثين العرب اشادوا بتجربة التنين وتمنوا للعلاقات العربية الصينية المزيد من التطور ، وبعد الانتهاء من تلك المراسم البروتوكولية ، طلبت من مضيفتنا وهي شابة صينية جميلة ، تحمل من الخبرة والنشاط الشيء الكثير ، ان تحدثنا عن انطباعاتها بشأن الوفد العربي ، اعتذرت بشدة وقالت لي ساتحدث معك على انفراد ، احسست من ردها ، ان الصورة التي رسمتها لم تكن كما يرام .. لم اترك مضيفتي تفلت مني بل لاحقتها حتى سمعت منها رأيها بنا ، قالت وهي تبتسم ابتسامة فاترة تداري بها شيئاً من الاحراج الذي كان بداخلها ،» انكم تتكلمون كثيراً ، تنامون كثيراً ، وتأكلون كثيرا» !! .. ثم اردفت ، كثرة الكلام تضيع عليك فرصة الاستماع إلى الآخر ، وكثرة النوم تضيع عليك فرصة استثمار الوقت ،فتذهب حياتك من دون جدوى ، اما كثرة الاكل فتحرمك من صواب التفكير فتبقى افكارك تتسم بالسطحية لانك سخرت كل قواك للتفكير بانواع وطعم الاكل ، .. وبالتأكيد ان هذه الفتاة الصينية كانت تحزن كثيرًا عندما تسمع همهمات اصحابنا وتعليقاتهم الساخرة واحياناً القاسية عن الأكل الصيني ..
وبعد مرور اكثر من سنة مازالت تلك الكلمات ترن في اذني ، فكلما شاهدت حواراً بين اثنين لاسيما من السياسيين استحضرت تلك الكلمات غندما يبدأ الاثنان يتلاكمان بالكلمات فلا تكاد تفهم كلمة مما يدور بينهما !! وبلا شك ان هذا النوع من «الحوارات»يترك تداعيات وارتدادات عنيفة تسهم في تكريس روح التطرف والانفعال السلبي لدى الناس ، .. وتهزني كلمات الشابة الصينية كثيراً كلما حضرت مجلس عزاء «فاتحة» وشاهدت تلك الموائد الطويلة وهي تزدحم بـ»الصياني» جميع صينية – ولست ادري ان كانت ثمة علاقة بين هذا الاسم والصين ؟! – .. المؤلم في هذا المشهد ان كميات كبيرة من الاطعمة ترمى في القمامة وثمة الكثيرون يتضورون جوعاً وحرماناً ، ولدينا الكثير من النازحين الذين فتك بهم الجوع ، .. اما كثرة النوم فتلك لعمرى أساس المأساة وأساس البلاء «فنحن النيام اذا الليالي سالمت» !! ولو اردنا ان نحسب كم من عمرنا انفقناه في النوم ربما تكون النتائج صادمة جداً ،لا اريد الخوض فيها « لأن لازم اتعشى وانام «!! .. ياامة ضحكت من «نومها» الامم !!
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة