ثنائية العمر والمال

-1-
حين ألجأتنا الجائحة الى الوقاية منها وأنْ نُغلقَ ابوابَبِيوتنا على أنفسنا ، فلا نستقبل أحداً ، ولا نغادرها الاّ لضرورة ، لم نجد سلوة مما نكابده من وحشة الانعزال الاّ بالسياحة في الكتب، ولا سيما كتب الأدب والتاريخ والسِيَر ففيها من الفوائد والعوائد مالا يستغني عنه كلُّ تواّقٍلإنماء رصيده المعرفي والثقافي ، ناهيك عن إلمامِهِ بتجارب الآخرين وحلولهم للخروج من الضيق .
وفي هذا المعنى قلتُ :
بعد أن بتُّ في الديار حبيسا
لم أجدْ لي غيرَ الكتاب أنيسا
وتراني ألوذُ مِنْ فَرطِ ضِيقي
واكتئابي به فأمحو العُبوسا
واذا الوحشة استحالتْ ظَلاماً
بّزّغَ الفكرُ في كياني شُموسا
وحصادي مِن الكتابِ دروسٌ
ملأتُ خاطرَ الزمان دروسا
لقد كنت في رحلة استشفائية حيث وصلت لندن في 10/3/2020 عازماً على العودة الى الوطن الحبيب فور انتهاء المراجعات الطبية، وحين انتهتْ ابتدأتْ فترة الاحتجاز في البيوت حيث بت في الديار حبيسا ..!!
-2-
وقد قرأت في ترجمة الشيخ احمد العسقلاني ت 413 هـ أبيات له جاء فيها:
علمي بعاقبة الايام يِكفيني
وما قضى اللهُ لي لابدّ يأتيني
ولا خلاف بانّ الناس مُذْ خلقوا
فيها يرومون معكوس القوانينِ
اذ يُنفقُ العمرُ في الدنيا مجازفةً
والمالُ يُنفقُ فيها بالموازينِ
ويهمني من هذه الأبيات الوقوف عند مسألة جوهرية وردتْفي البيت الثالث ، وتلك هي مسألة الرعاية للموازين في ما يتعلق بالانفاق المالي حيث لا يُنفقُ الحصيف عادةً الاّ بعض ما يملك لئلا يغرق في الديون ، في حين ان انسان الحضارة المعاصرة يستخف بالموازين الدينية والاخلاقية فضلاً عن غيرها من الموازين والضوابط الموضوعية ، والاّ فما معنى زواج المثليين ؟
وما معنى الولوغ في مستنقعات الجحود والعصيان ؟
وما معنى المسيرة المنفلتة الحافلة بفصول مكثفّة من الممارسات الفجة البعيدة عن معاني المروءة والانسانية ؟
-3-
لو قيل للانسان :
أيهما أهمّ العمر أم المال ؟ لقال العمر، ولكنك تراه اذا ما وُعد بمنحةٍ مالية مؤجلة ، يتمنى أنْ تنقضي الايام لينال المنحة ، مع أن هذه الايام التي يحرص على انقضائها بسرعة انما هي عُمُرُهُ الذي يقطعه قُدّر له مِنْ أيامٍ يعيشها على سطح هذا الكوكب .
-4-
وجاءت ” الجائحة ” فكانت بمثابة الزلزال الذي أثبت لعشّاق المال الحريصين على جَمْعِهِ ، وللراكضين في دروب العصيان ، أنهم مهددون بالرحيل ومن دون سابق انذار وعندها لا ينفع مال ولا بنون الاّ من أتى الله بقلبٍ سليم .
-5-
ولا أدري ما هي ردود الفعل عند قراصنة الفساد المالي وكبار سراّق المال العام حيث داهَمَهُم زلزال الكورونا ؟
هل دفعت الأحوال المنهوبة الأحوال المنهوبة من قوت الفقراء والأرامل والمستضعفين العراقيين عنهم مخاطر الاصابة بهذا الوباء ؟
وهل تستطيع أنْ تُنجيهم منه اذا تسرّب اليهم ؟
وبماذا سيواجهون ربهم حين يأتي النداء
” وقفوهم انهم مسؤولون ” .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة