سلام مكي
مخطئ من يتصور أن فايروس كورونا يحارب العالم لوحده. صحيح أنه الفايروس الأقوى والأكثر فتكا بالناس، لكن ثمة فايروسات رأت في كورونا فرصة كبيرة للظهور على السطح وممارسة هوايتها المفضلة، كل حسب اختصاصه وامكانياته. ولكون أن البلد يعاني من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية، ويعاني من أزمات في كل نواحي الحياة، فمن الطبيعي أن يتحول إلى بيئة آمنة لكل أشكال وانواع الفايروسات. فمع ظهور وانتشار كورونا، ظهرت معه فايروسات، كفايروس الاشاعة وفايروس التنمر والتشفي وفايروس الجشع وفايروس اللامبالاة من قبل من يملكون القرار السياسي. كل تلك الفايروسات، كشفت عنها كورونا، واستطاعت أن تظهر لنا الوجه الكامل لها، بعد أن كانت مختبئة خلف حجب وسواتر مجتمعية. ما يهمنا هو المثقف والثقافة. الثقافة مثلها مثل باقي الحقول الانسانية الأخرى، عطلت كورونا، الكثير من الفعاليات الثقافية وأجلت الكثير من المشاريع والتجمعات المختلفة التي كانت تسعى لإبراز معلم ثقافي، أو تدوين أفكار ثقافية مختلفة. فلا معارض للكتب، لا أمسيات، لا أصبوحات، لا شارع متنبي، لا مكتبات.. فثمة تعطيل للحياة الثقافية العامة، وأعني بالعامة، تلك التي يشترك بها المثقفون، ويمارسونها، كجزء من حياتهم اليومية. أما ما يتعلق بالجانب الآخر، وأقصد به الحياة الثقافية الخاصة، فقد ازدهرت بشكل لافت عند الكثير من المثقفين الذين وجدوا انفسهم أمام فرصة كبيرة، لمسح الغبار عن الكتب التي تقف في طوابير طويلة بانتظار من يقرأها، بسبب عدم امتلاك المثقف للوقت الكافي. المثقف وجد نفسه معزولا عن العالم الخارجي، عدا وسائل التواصل الاجتماعي، ومجبرا على المكوث في بيته لمدة ليست بالقصيرة. لذا، فإنه لن يحصل على فرصة مثل هذه، للقراءة والكتابة.
“كورونا” والكتابة الثقافية
استثمر بعض الكتاب، والأدباء كورونا، للكتابة والتأليف. مثلها مثل أي ظاهرة عامة، تشكل هاجسا لدى الكاتب، وقلقا ثقافيا ووجوديا، مما يستدعي من الكاتب، أن يعالج تلك الظاهرة، نقدا وتحليلا. كما إن بعض المواقع الثقافية، استحضرت بعض الروايات التي تتحدث عن الكوارث الصحية والأوبئة. وتساءلت بعضها عن الوقت الذي ستحضر كورونا في الأدب بوصفها مادة ثقافية مهمة. مواقع أخرى، قررت استحداث خانة جديدة وتبويب جديد تحت عنوان” الثقافة في زمن كورونا” مخصص للكتابة عن كورونا. لكن السؤال الذي يثار هنا: ما لذي يريد المثقف من الكتابة عن كورونا؟ هل لترهيب المجتمع منه، وترغيبه باتباع توجيهات الجهات المختصة؟ هل الكتابة عن كورونا وأي خطر صحي أو سياسي أو اجتماعي، يجب ان يصدر عن مختص؟ وهل المثقف قادر على إنجاز مادة ثقافية تلبي حاجة القارئ في ظل كورونا؟ نعود إلى ما كتب في الأيام السابقة، لنجد أن بعض تلك الكتابات، حذّرت من مخاطر الفايروسات التي انطلقت مع انطلاق فايروس كورونا، ومنها بث الأكاذيب والاشاعات التي لا تقل خطورتها عن خطورة المرض نفسه. ومحاربة الاشاعات جزء من وظيفة المثقف وواجبه الأخلاقي تجاه مجتمعه، كون أن الاشاعة تنمو وتزدهر في البيئة التي ينتشر فيها الجهل والخرافة والابتعاد عن العلم. بعض المثقفين، هو مختص أصلا بالجوانب العلمية والتقنية، فاستثمر اختصاصه، إلى جانب اهتماماته الثقافية، ليطلع الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي على مخاطر كورونا وسبل الوقاية منه. ثم إن الكتابة عن أي ظاهرة عامة، أو أمر جلل، لا يعني الكتابة عن الجوانب الجزئية لها، بل ثمة جوانب متعلقة بها، والآثار المترتبة عليها، أو الجوانب المتعلقة بها، بالإمكان الكتابة عنها، وهي لا تقل أهمية عن الكتابة عن الظاهرة نفسها. فالفايروس حين ينتشر في مكان ما، فإن هنالك فايروسات أخرى صغيرة، تنتهز الفرصة وتخرج هي الأخرى. ومكافحتها لا تقل أهمية عن مكافحة الفايروس الأخطر والأهم من بينها. والمثقف، بما يملكه من خبرة وقدرة على تحليل الظواهر واستنطاق المسكوت عنه، يمكنه أن يكون مساهما فاعلا في الكثير من الأمور التي يمكن من خلالها مواجهة كورونا وغيره.
اقرأ في بيتك
ضمن سعيه الدؤوب لدعم جهود السلطات المختصة وخلية الأزمة المكلفة بمواجهة كورونا، قرر الاتحاد العام للأدباء والكتاب، أن يطلق مبادرة” اقرأ في بيتك” من خلال توفير روابط تحميل اصداراته الأخيرة للأدباء والكتاب على صفحة الاتحاد/ في محاولة لتوفير تلك الاصدارات للقارئ دون عناء الخروج لطلبها من أماكن البيع الخاصة بها. وكأن الاتحاد يقول: ما تريده، نوصله إليك، أبق في بيتك. ليس الاتحاد هو من أطلق هذه المبادرة فقط، بل هنالك مؤسسات ثقافية عربية، دعمت إجراءات حضر التجول، عبر توفيرها ما يحتاج إليه القارئ العربي وهو جالس في بيته. حتى إن بعض المؤسسات التي تعنى بالجوائز، وفرت روابط لمليء وتحميل الاستمارات الخاصة بالمشاركة في جوائزها الكترونيا، بعد أن كانت تشترط استلامها عبر البريد العادي. كورونا، حدث عالمي، يمثل تحديا كبيرا للبشرية جمعاء، كما يقول متابعون ومختصون. ولا أمل بتخطي هذه المحنة، سوى تكاتف الجميع، والامتثال للقانون والتعليمات التي تصدر من الجهات المختصة. ولعل المثقف، هو المعني قبل غيره بالامتثال للقانون قبل غيره، وهو ما يمكن القول بتحققه لحد الآن.