الزعيم والبعث

فوزي عبد الرحيم السعداوي

-1-


يقول الكاتب حسن العلوي بان انقلاب 8 شباط لو فشل فان الزعيم قاسم لم يكن ليقف عند اسم أحمد حسن البكر وكان سيطلق سراحه!!! لا أظن ان الزعيم قاسم كان يعرف البعث قبل ثورة تموز وهو أمر ليس غريب فالبعث كان حزبا محدود التنظيم ولم تعرف عنه فعاليات سياسية أو اجتماعية لذلك افترض أن قاسم عرفه للمرة الأولى عند مجيء عفلق في الأيام الأولى للثورة لغرض التهنئة، وقد انعكست تلك المعرفة بتعيين فؤاد الركابي أمين سر الحزب وزيرا في الحكومة الأولى بعد الثورة، بالطبع في الأيام الأولى للثورة لم تكن الأمور واضحة فقد اصطف عبد السلام عارف مع البعثيين ماجعله بحكم منصبه وزيرا للداخلية ان يمنح امتيازا لإصدار جريدة الجمهورية يرأس تحريرها البعثي المعروف سعدون حمادي… ولقد اتسم تعامل الزعيم مع البعث والقوميين بشكل عام بنوع من التسامح والليونة التي استمرت حتى النهاية حيث استغلها هؤلاء في التخطيط وتنفيذ انقلاب 8 شباط.
اننا هنا نحاول فهم تفكير الزعيم ونظرته للبعث ومقارنة ذلك بنظرته للشيوعيين، لقد بادر الاتجاه القومي بعد ثورة 14 تموز 1958 بإعلانه العداء لعبد الكريم قاسم حيث اذ ذاك لم يكن هناك الكثير مما يختلف عليه، فقد اصدرت الثورة قانون الاصلاح الزراعي وهو أمر متفق عليه بين الجميع وكانت ثمة قرارات صغيرة ووجهت بمعارضة لا تتناسب مع أهميتها مثلا طلب الجواهري رقم سيارة نوري السعيد ليضعه على سيارته فعارض عبد السلام عارف ثم حين أعلن قاسم انه بصدد العفو عن البارزاني فعارض عارف ايضا.
لم يتخذ قاسم اجراءات قاسية ضد البعثيين الذين بدأوا يتحركون بشكل شبه علني ضد النظام عدا تعيين عارف سفيرا في بون في أعقاب محاولة عارف اغتيال قاسم في مكتبه بوزارة الدفاع وكذلك اعتقال احمد حسن البكر الذي ضبط بالجرم المشهود متورطا في محاولة انقلابية ضد النظام.

نشط البعثيون في مناطق تواجدهم وتمددوا بضم كل أعداء ثورة تموز بما في ذلك قوى النظام الملكي والرجعيين بشكل عام مدعومين من جهات متعددة بعضها قريب من السلطة، فقد مول صديق شنشل أحد زعماء حزب الاستقلال والوزير في حكومة الثورة، عملية اغتيال قاسم من شراء السلاح وتوفير مكان للتدريب على عملية الاغتيال.
لقد كانت أجهزة الشرطة والأمن معادية بشدة للشيوعيين الذين سيطروا على الشارع ومازال غير معلوم هل كان ذلك يجري بمعرفة قاسم الذي لم يفعل شيئا لاصلاح جهاز الشرطة السعيدي، هناك العديد من الأمثلة على تواطؤ أجهزة الشرطة ضد الشيوعيين أو تعاطفها مع البعثيين فبعد نجاح انقلاب 8 شباط حضر القيادي البعثي على صالح السعدي إلى سجن رقم واحد لتفقد سجنائه حيث التقى بعبد المجيد جليل مدير أمن عبد الكريم قاسم والمقرب منه، حيث فاجأه بصفعة غير متوقعة فصرخ مدير الأمن تضربني، تضربني انا وهل كنتم لتصلوا للسلطة لولاي !!!.

ترى ماذا فعل عبد المجيد جليل ليقول ذلك بالتاكيد كان يتستر على نشاطات البعثيين، وفي أواخر العام 1958 جيء بصدام التكريتي (هكذا كان يلقب) إلى موقف باب المعظم بصحبة خاله خير الله طلفاح بتهمة قتل قريبهما سعدون الناصري حيث حرض خير الله ابن اخته على قتل الناصري المنتمي للحزب الشيوعي على خلفية تقرير كتبه الأخير يشير فيه إلى ان خير الله هو أحد رجالات خليل كنه وزير معارف العهد الملكي ومن ثم لا يجب أن يبقى في منصبه، حيث سرعان ما أطلق سراح صدام وخاله على الرغم من الأدلة الدامغة.

-2-

ولقد كانت حملة البعث والقوميين وحلفائه من القوى الرجعية مؤثرة جدا على قاسم سيما وانها كانت تحظى بدعم قوي من جمال عبد الناصر وقد كان غالبية ضباط الجيش أما قوميين أو متعاطفين أو معادين للشيوعيين في حين ان مؤيدي قاسم كانوا مجموعة صغيرة من الضباط غالبيتهم من اليساريين ويتواجدون في وزارة الدفاع حيث ومع اشتداد ضغوط القوميين وعبد الناصر اضطر لغض النظر عن نشاطات الشيوعيين الذين استفادوا من ذلك فسيطروا على الشارع حتى بلغوا ذروة نفوذهم في آذار 1959 ومايس1959 وحتى تموز 1959 في أعقاب أحداث كركوك حيث أدار قاسم ظهره لهم وضيق عليهم.

وعلى الرغم من سيطرة الشيوعيين على الشارع بحيث سمي بالمد الأحمر لكن ذلك لم ينعكس على تركيبة السلطة التي بقيت مفاصلها بيد قوى أقل ما يقال عنها انها معادية للشيوعيين بل وتتحين الفرصة للانقضاض عليهم، في آذار 1959 حدثت محاولة الشواف الانقلابية في الموصل والتي كشفت عن حجم المتآمرين في الجيش والتي ساهم الشيوعيون في إفشالها وكانت فرصة لوضع الشيوعيين في مواقع تمكنهم من الدفاع عن النظام لكن قاسم لم يفعل فعين مساعد رفعت الحاج سري مديرا للاستخبارات العسكرية وهو قريب من توجهات سري كما ان المجالس العرفية العسكرية بقيت على حالها حتى 8 شباط والتي كان واجبها محاكمة الشيوعيين، فأشخاص مثل مدحت السعود أو شمس الدين عبد الله أو راغب فخري كانوا معروفين برجعيتهم وعدائهم للشيوعيين ليس من المعقول أن قاسم غير مدرك لمعاني وأهمية وجودهم في هذه المواقع وما يترتب على ذلك.

في ذكرى عيد العمال العالمي في الأول من آيار1959 أراد الشيوعيون تذكير قاسم بقوتهم واستحقاقهم للمشاركة في السلطة ورفعوا شعارات لم يكن فيها أي استفزاز لقاسم لكنه غضب وعد ذلك تجاوزا، ما يدلل على انه كان يتحجج على الشيوعيين طالبا منهم الخضوع التام وهو ما لم يطلبه من أحد.

في تموز1959 وفي الذكرى الأولى لثورة 14 تموز حدثت صدامات مسلحة هي في جوهرها صراع قومي بين التركمان والأكراد لكن الأكراد الذين ساهموا في العنف وما تبعه من أعمال بربرية كانوا أعضاء في منظمة الحزب الشيوعي في كركوك ودورهم لم يكن بصفتهم التنظيمية لكن الرأي العام استقبل الحدث على ان الشيوعيين نفذوا مجزرة ضد التركمان، وتلقف الزعيم هذا الحدث وكأنه ينتظره فشن إعلامه حملة إعلامية واسعة ضد الشيوعيين وعلى الأرض كانت السلطات تضيق بشدة على الشيوعيين وتتسامح مع القوميين والبعثيين.

ألقى قاسم خطابا شديدا بشأن الموضوع في افتتاح كنيسة الأرمن حيث قيل ان البعثيين كانوا جاهزين لاغتياله لكنهم ألغوا المحاولة بعد سماع الخطاب، وأستمرت السلطات بمطاردة الشيوعيين ونشطت المجالس العرفية إلى ان جرت محاولة اغتيال قاسم في 7 تشرين أول والتي كانت فرصة لإصلاح العلاقة بين قاسم والشيوعيين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة