التعداد السكاني.. ضرورة وطنية

للإصلاح خطوات، وأولى خطوات الإصلاح، هي تشريع القوانين الرئيسة، التي تؤسس لعملية سياسية سليمة، مبنية على أسس دستورية وقانونية. ولكون أن السلطة السياسية المتمثلة بمجلس النواب، ومجلس الوزراء، يتشكلان من قبل الشعب، عبر الانتخابات، لذا، يجب أولا، سن قانون يضمن سلامة إجراء تلك الانتخابات، من خلال وضع السياقات الصحيحة التي يمكن من خلالها ضمان حقوق الناخبين والمرشحين على حد سواء. كذلك لابد من وجود جهة مستقلة، ومحايدة تتولى مسؤولية اجراء الانتخابات، وتنظيمها، بما يضمن نزاهتها وحياديتها. ولكون أن الدستور نص في المادة 49 أولا على أن مجلس النواب، يتكون من عدد من الأعضاء، بواقع مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة من نفوس العراق، يمثلون الشعب العراقي بأكمله. فكان لابد من وجود إحصائية دقيقة لعدد السكان، وعلى ضوئها يتم احتساب عدد أعضاء مجلس النواب. وهذا لا يتم إلا من خلال إجراء تعداد سكاني عام، يتم وفقا للصيغ والأصول القانونية المعتبرة. أما حاليا، فإن العدد الحالي لأعضاء مجلس النواب، والبالغ 320 معقدا، موزع على المحافظات وحسب الكثافة السكانية، فهو ليس عددا دقيقا، ولا يمكن الركون إليه إلى ما لا نهاية، إذا لا بد من إجراء تعداد سكاني عام وأن يتم وفقا للقانون رقم 40 لسنة 2008.
وحيث إن تقليص أعضاء مجلس النواب هو أحد مطالب المتظاهرين، فلا بد أن يكون التقليص وفقا لتلك المطاليب، وأن يتم الاستناد للصيغ القانونية والدستورية. وفيما يتعلق بقانون الانتخابات الجديد، الذي أكد على أن لكل 100 ألف نسمة نائب واحد، وجعل من المحافظة متعددة الدوائر الانتخابية، أي عدد الدوائر الانتخابية على عدد الأقضية. فينبغي معرفة عدد السكان بشكل قانوني وأصولي لغرض توزيع المقاعد بشكل صحيح، وبخلافه فإن أية أرقام، مجرد افتراضات وتخمينات لا تستند إلى أساس قانوني صحيح. وكذلك مسأـلة توزيع الموارد، حسب نص المادة 112 من الدستور التي تنص على أن يكون توزيع الثروة النفطية على أساس الكثافة السكانية. ولا أتصور أن ثمة سببا قانونيا يمنع الحكومات المتعاقبة من تفعيل قانون رقم 40 لسنة 2008 والعمل على إجراء تعداد سكاني لضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطنين، إذ من غير المعقول أن تبقى الحكومة مستندة على تقديرات وتخمينات قد لا تكون صحيحة. لذا، فإن إجراء التعداد السكاني في ظل هذه الظروف يعد ضرورة وطنية، لا يمكن تجاوزها فيما لو قررت الحكومة أن تطبق الدستور والقوانين تطبيقا سليما.

سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة