خير الأمور أوسطها

-1-
قديما قال الشاعر :
النفسُ راغبةٌ اذا رغبتَها
واذا تُردُ فعنْ قليلٍ تقنعُ
هناك من تراه ذا شهية مفتوحة ليس لها حدٌ تقف عنده …
ونفسه تدفع به نحو تحقيق الآمال والأماني والطموحات ..
وحين يفتح لنفسه الباب على مصراعيه فان الرغبات تتزايد ، والطلبات تتكاثر وتتناسل …
وهو لا يكتفي بما يسد حاجته بل يريد ان يتربع على ربوات من الثراء العريض .
وهذا قد يجعله دائباً في السعي وراء اشباع ملذاته وشهواته ، بعيداً عن الشعور بالمسؤولية ازاء دينه وما يفرضه عليه من واجبات وسنن ..
-2-
واذا كان اوسط الامور افضلها فالخير في الاعتدال والتوازن والوسطية بعيداً عن التصرف والغلو
ان التطرف لا يكون في شيء الا أفسده ..
-3-
ان هناك من الناس من يدأب على ان يأخذ دون ان يعطي شيئا، وهذا هو الدور السلبي المقيت الذي يصير اليه أصحاب النزعة الذاتية .
في حين ان السياق الطبيعي يقتضي ان يكون هناك أخذ وعطاء وحين يكون عطاؤك أكثر من أخذك فلستَ ممن بقي محصوراً في شرنقة الذاتي…
-4-
وبمقدور الانسان أنْ يكبح جماح نفسه ويروضها على ان تكون سوية عفيفة ، ولكنّ ذلك يحتاج الى ارادة قوية ، وعزيمة وجلد …
-5-
وقد وقفتُ على قصيدة للشاعر أبي الحسن علي بن أبي زيد النحوي (ت516) هـ تصوّره كيف أنتصر على ذاته، فتحرر من ربقة الأمل الطويل والحرص الشديد .
كما أنه – وهذا هو المهم – زهد في ما هو بأيدي الناس فلم يكلفهم بشيء ، والناس أصدقاء من خفت مؤونته عليهم …
واليك بعض ما قاله في قصيدته :
الله أحمد شاكراً
فبلاؤه حسنٌ جميلُ
أصبحتُ مستوراً معا
ما بين أَنْعُمِه أجولُ
خِلْواً من الاحزان خف
الظهرِ يُقنعني القليلُ
حُرّا فلا مَنٌّ لمخلوقٍ
عليّ ولا سبيلُ
لم يشقني حِرْصٌ على الدينا
ولا أملٌ طويلُ
سيّان عندي ذو الغنى
المتلاف والرحيل البخيلُ
والناس كلُهمُ لَمِنْ
خَفَتْ مؤونتُه خليلُ
والملاحظ هنا :
1 – انه مع بساطة عيشه وقناعته بالقليل، اعتبر نفسه يجول ويصول في ميدان النعم الالهية .
وهذا هو شعور الرجل المؤمن الحامد لله والشاكر له على نعمه .
2 – بساطة العيش جعلته بعيداً عن الأحزان ، لا يشعر بثقل وطأة المتطلبات الكثيرة لمن خاض في غمار الشهوات…
3 – الشعور بالحرية والاستقلال في اتخاذ القرارات حيث لم تطوقه مِنِنُ الناس .
4 – تحرره من الحرص وقناعته بما لديه وبعده عن الأمل الطويل ، أضفى على نفسه الرضا والسكينة فهو سعيد بما عنده .
5 – استغناؤه عن الناس جعله لا يفرّق بين الجواد والبخيل،وهكذا هي المعادلة الحياتية : كلما تعلق قلبك بالدنيا وأعراضها كلما ازداد عناؤك وتعبُك لانّ { الدنيا كماء البحر كلما ازددتَ منه شربا ازددت عطشا }

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة