»القطط في الأدب».. كل قطّ تحفة أدبية

محمود عبد الغني

في الأدب كما في الرسوم المتحركة تموء لأي سبب، تنام طوال اليوم، تخدش الكراسي وباقي الأثاث. تصطنع العبوس أمام الحلوى. تشتت كل شيء وفي كل مكان. ورغم ذلك نحن نحبها. والكُتّاب لا يزيغون عن القاعدة، وتاريخ الأدب أظهر في عدّة مناسبات علاقة حب بين بعض كبار الأقلام وهذا الحيوان الذي يسميه العلماء.Felis silvestris catus
لكن ما هي الأسباب التي جعلت الكُتاب يتعلقون بالقطط؟ منذ بودلير وكوليت إلى بول ليوتار، مروراً بسيلين وباتريسيا هيغشميث وروبير دي لاروش، لا يمكن أن نحصي الأدباء الذين تأثرت أعمالهم بوجود القطط. وهذا التأثر لا يقف عند الأدب فقط بل حتى في حياتهم اليومية. وإذا كانت هذه الظاهرة تطبع الأدب الكلاسيكي، فإننا نسجّل أيضاً وجود إنتاج غزير في أفلام الرسوم المتحرّكة، كما في كل ميادين النشر. ولا شيء يستطيع منع حضورها.
لم تقم هذه الأعمال الأدبية فقط بتخليد حيوان قريب من الإنسان، بل أظهرت طيبته، ونفسيته، وأناقته، ووفاءه وأمانته؛ كما لو أنها «رفعت أقدامها إلى الآلة الكاتبة وخطّت كلماتها»، بحسب تعبير ألكسندر فيلون في العدد الأخير من مجلة «لير» الفرنسية، التي خصصت محوراً لهذا الموضوع (عدد تشرين الأول/أكتوبر، 2019).

ليوناردو دافنشي..
كل قطّ هو تحفة أدبية
إن حبّ القطط يشكل سعادة قصوى لدى العديد من الناس، وفي كل الأزمنة. وهذا الحبّ عند الكُتاب أنتج العديد من الصفحات في كل العالم، وفي كل الآداب، وذلك في حالتيه الأليفة والمتوحشة معاً. ونجاح تجربة الكتابة عن هذا الحيوان لا يمكن حصرها في لائحة، لأنها كثيرة وغزيرة.
«كل قطّ هو تحفة أدبية»- يقول ليوناردو دافنتشي. وقد ذكّر فريدريك فيتو الناس بهذا الأمر حين صنّف مؤلَّفَه «قاموس حبّ القطط»، الذي أثبت أن الموضوع لا تنفُد أفكاره وزوايا نظره. وجمع هذا الأكاديمي البارز منتخبات غزيرة من الأقوال والكتابات الشهيرة قيلت وكُتبت في حبّ القطط. وهكذا يحضر جان كوكتو في قوله «إذا كنت أفضل القطط عن الكلاب فلأن لا وجود لقطّ شرطي»؛ ويحضر إرنست همنغواي من خلال قصيدته الأولى التي كتبها وهو في سنّ الثانية عشرة بعد أن نفقت قطته «كرازي»، فدافع عن «القط الذي يمتلك أمانة مطلقة، فالإنسان يخفي مشاعره لهذا السبب أو ذاك، أما القطط فلا».

قطّ يتحدّث عن سيده الكاتب سيلين
هل القط حيوان؟ لا إطلاقاً، يجيبنا الكاتب الفرنسي سيلين، هذا السيد السعيد لقط ضخم (يزن ثمانية كغم) اسمه «بيبير»، كما جاء في كتاب «سيلين وقطه بيبير» لمؤلفه فريدريك فيتو. ولذلك افترض أن «بيبير» لو أطلق العنان للسانه لقال الشيء الكثير عن سيده سيلين.
كان صاحب «سفر في عمق الليل» يرى أن قطه يجيب عن جميع الأسئلة. يجيب سيلين وهو واثق من قدرة قطه هذه على الفهم والتفاعل والتفكير في الأسئلة. لقد رافقه من فرنسا إلى ألمانيا، خلال الهروب الكبير رفقة زوجته إلى هامبورغ، برلين، مودون… قبل أن تنتهي حياته في حديقة بالضاحية؛ «تقولون دوماً إن القط هو مجرد جلد يغطي العظام. لا، هو ليس كذلك على الإطلاق. إنه السحر نفسه. إنه الرقة في حالة تموّج. إنه يناقش إيجابيا، ويردّ على جميع الأسئلة. الآن هو يكلم نفسه فقط. يحاور نفسه داخلياً، مثلما أفعل أنا. كما أنه وحيد مثلي. الجميل في «بيبير» هو جولاته، تسكعاته، الطريقة التي يتبعنا بها».

حيوانات متفلسفة
كان شارل بودلير من أفضل الشعراء على مرّ الأزمنة، وفي ديوانه «أزهار الشر» خصّص أبياتاً جيدة وعادلة عن أصدقائنا القطط.
لنذكر هنا بعض الأبيات من قصيدته «القطط»، التي نالت حظّاً كبيراً من التحليل والدرس.
«العشاق المخلصون بشدّة والعارفون الصارمون
يحبون أيضاً، في فصلهم الناضج،
القطط القوية واللطيفة، كبرياء البيت.
من مثلهم يتأثر بالبرد ومثلهم يطيل الجلوس».
وقد قام صديق بودلير، تيوفيل غوتييه، بتقديم ملخص جيّد للرابطة بين الشاعر ورفيقه الحيوان المفضل، «كان بودلير يحب القطط، ومثلها كان يحب العطور».
وكتب غوتييه، صاحب الكتاب الشهير «القبطان فراكاس»، ما يلي: «القط حيوان فيلسوف، منظّم، هادئ، متعلّق بعاداته، صديق النظام والنظافة، ولا يضع محبته أينما اتفق، فهو يريد أن يصبح صديقك إذا كنت تستحقها، ويسحبها منك إذا كنت عبداً».

  • ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة