من ثمار تظاهرات تشرين، أنها أرغمت مجلس النواب على اتخاذ مجموعة من القرارات المهمة التي كانت تمثل حجر عثرة في طريق تطبيق القانون بحق النواب المتهمين بالفساد، ومن تلك القرارات هو رفع الحصانة عن النواب المتهمين بالفساد. هذا الملف الشائك والمعقد، كان يراد له أن يكون طي النسيان، وبعيدا عن أعين الشعب، ذلك أن تسهيل إجراءات رفع الحصانة عن النواب، يعني أن الكثير من النواب، سوف يكونون عرضة للمحاسبة القضائية وهو ما لا يرضي الكتل السياسية التي ينتمي أولئك النواب إليها. سابقا كان مجرد التصريح بنية مجلس النواب، رفع الحصانة عن نائب ما، ليتسنى للقضاء التحقيق معه، يعني وجود استهداف سياسي وطائفي لذلك النائب ولحزبه ولطائفته، حتى لو كان يستحق رفع الحصانة. أما اليوم، وبفضل التظاهرات والحراك الشعبي، فقد انتهى زمن جعل تطبيق القانون استهدافا سياسيا! وتأتي عملية رفع الحصانة بعد مطالبات مجلس القضاء الأعلى والادعاء العام، برفع الحصانة عن مجموعة من النواب، بسبب وجود قضايا فساد مالي بحقهم، منظورة أمام محاكم التحقيق. وتلك القضايا أما كانت موجودة قبل صعود أولئك النواب الى البرلمان، عندما كانوا مسؤولين في السلطة التنفيذية، أو بوصفهم محافظين، أو بسبب وجود شكاوى بحقهم، بعد انتخابهم الى البرلمان. ولعل القسم الأول، أي الذين توجد بحقهم قضايا فساد قبل وجودهم في مجلس النواب، هي النسبة الأكبر، بسبب أن قانون انتخابات مجالس المحافظات، لا يمنع الأشخاص أو الموظفين الذين توجد بحقهم قضايا تخص المال العام، من الترشح للانتخابات، بل يمنع من صدرت بحقهم أحكام باتة فقط. وهذا الخلل، تسبب بصعود العديد من المحافظين والمسؤولين المحليين والاتحاديين، حيث توجد لدى هيئة النزاهة قضايا كثيرة تحص محافظين سابقين، ولكن لا يمكنها ان تحسم تلك القضايا بسبب عدم تمكن محاكم التحقيق من حسمها إلا بعد مفاتحة مجلس النواب لغرض رفع الحصانة عن النائب المتهم بالفساد عملا بأحكام الدستور. أما اليوم، فإن قرار البرلمان كان واضحا، وهو رفع الحصانة عن أي متهم بالفساد، وهو ما منح القضاء الضوء الأخضر كي يتولى مهامه في التحقيق مع النواب الذين أثروا على حساب المال العام. وحسنا فعل مجلس القضاء الأعلى، حين وجّه المحاكم التابعة له، لاتخاذ جميع الاجراءات القانونية، بحق النواب المتهمين بالفساد، والاستمرار بالقضايا التي تخصهم، من دون اللجوء الى مفاتحة مجلس النواب لرفع الحصانة عنهم. إن هذا الاجراء سيسهم الى حد كبير، في محاسبة الكثير من الأسماء التي أثرت على حساب المال العام، وتمكنت في السابق من الافلات من العقوبة بسبب الحصانة. ننتظر وجود آثار حقيقية على أرض الواقع لهذا القرار، حيث أن البرلمان رمى الكرة في ملعب القضاء كي يتولى محاسبة الفاسدين، بكل حرية بعيدا عن قيود النصوص القانونية والدستورية.
سلام مكي