ترامب يعمل وفق مصالحه السياسية وجواسيس الولايات المتحدة الأمريكية لا يستيطعون ان يثقوا به

الصباح الجديد – متابعة:

شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب المهدد بآلية عزل مؤخرا، هجوما مضادا شرسا معولا على حلفائه الجمهوريين ووسائل الإعلام المؤيدة له وحسابه على تويتر، على أمل نقل مركز الاهتمام منه إلى خصمه جو بايدن.
“إننا في حرب”. تلك الجملة التي قالها ترامب في جلسة خاصة تختزل وضع الرئيس البالغ من العمر 73 عاما والذي يستعد لخوض أشرس معاركه حتى الآن.
ويواجه ترامب وسط حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية، خطر عزله، وإن كانت فرص عزله تبقى ضئيلة في ظل الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، إلا أن الخطر يبقى جسيما إلى حد يتطلب منه تعبئة مؤيديه.
ودعا الجمهوريين في تغريدة محاها لاحقا إلى “البقاء موحدين” وإلى “القتال” لأن “مستقبل بلادنا على المحك”.
ويواجه ترامب أزمة خطيرة بسبب مكالمة هاتفية أجراها خلال الصيف مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وطلب منه خلالها التحقيق حول جون بايدن، في وقت تشير استطلاعات الرأي إلى أن نائب الرئيس السابق هو المرشح الديموقراطي الأوفر حظا لهزم الرئيس في انتخابات 2020.
في هذا الصدد كتب كينت هارينغتون وهو كبير المحللين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية، مقالة مطولة في موقع بروجيكت سانديكيت تحت عنوان متى يمكن الثقة برئيس أمريكا ؟جاء فيها:
ان البيت الابيض يحاول منع لجنة الاستخبارات الدائمة في الكونغرس من الإطلاع على شكوى أحد المبلغين والتي تذكر بالتفصيل محاولات الرئيس دونالد ترامب المتكررة للضغط على الرئيس الاوكراني فولودمير زيلنسكي لفتح تحقيق مع ابن نائب الرئيس الامريكي السابق جو بايدن وهو أحد اهم المنافسين من الحزب الديمقراطي لتحدي ترامب في انتخابات الرئاسة لسنة 2020 ونظرا لرفض ترامب التعاون مع دزينة تقريبا من تحقيقات الكونغرس فإن الأكثر ترجيحا ان هذه الحلقة ستنتهي الى طريق مسدود اخر واستطلاعات الرأي تشير الى ان العامة قد اصبحوا اقل اهتماما بدراما تلفزيون الواقع اليومية لادارة ترامب .
لكن بغض النظر عن ما اذا بقيت فضيحة اوكرانيا على قمة عناوين الصحف ام لا ، الا انها ستطارد مجتمع الاستخبارات الامريكي والذي كان بمثابة بعبع لترامب منذ اليوم الذي تولى به السلطة. لقد هاجم ترامب بدون هوادة وكالات الاستخبارات الامريكية وتقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأفشى بإسرار للمسؤولين الاجانب على الرغم من إمكانية ان يؤدي ذلك لخطر حرق مصادر استخبارية عالية القيمة..

وهذا السلوك قد اثار بالفعل مخاوف جدية عن ما اذا يمكن الثقة بترامب لتلقي معلومات حساسة والان فإنه يتوجب على قادة الاستخبارات ان يسألوا انفسهم عن المدى الذي يمكن ان يذهبوا اليه في الانصياع لاوامر البيت الابيض.
إن مما لا شك فيه ان المفتش العام لمجتمع الاستخبارات مايكل ك اتكنسون قد اتخذ القرار الصحيح عندما أوصى بالكشف عن شكوى المبلغ الى الكونغرس علما ان مثل تلك الاحالة هي ضمن صلاحياته بحكم القانون ولقد كانت هناك سوابق قانونية خلال العقد الماضي والتي تدعم هذا القرار ولكن مهما يكن من أمر فإن مدير الاستخبارات الوطنية بالانابة جوزيف ماغوير يعيق احالة المفتش العام لمجتمع الاستخبارات مدعيا انها لا تتضمن معلومات استخبارية « عاجلة» وانها تتعلق بمعلومات مميزة –اي رئاسية -.
إن من المؤكد انه في ظل الخلافات الحالية بين الادارة والكونغرس والتوسع في التحقيقات في سلوك ترامب ،ستظهر المزيد من تصريحات الانكار من البيت الابيض بالإضافة الى الازدواجية والتعطيل الى جانب الهجوم على مجتمع الاستخبارات . سوف يستخدم ترامب لتحفيز قاعدته الانتخابية من اجل حملة 2020 شكوى المبلغ لدعم ادعاءاته بان هناك « دولة عميقة» خرافية تحاول ان تستهدفه وفي واقع الامر وصف ترامب بالفعل المبلغ على انه شخص حزبي وشكك في وطنية ذلك المسؤول . ان اطلاق الاهانات يعكس حملة ترامب الاوسع القائمة على اساس استهداف الشخصيات والموجهة ضد مسؤولي الاستخبارات وتطبيق القانون السابقين كما ان المهنيين العاملين حاليا في جهاز الاستخبارات لديهم اسباب جيده لتوقع انه سوف يستهدفهم مجددا قريبا.
ان كراهية ترامب لوكالات الاستخبارات سيكون لها ابعادا طويلة المدى على الامن القومي الامريكي . ان وظيفة مدير الاستخبارات الوطنية وهي اعلى وظيفة استخبارية بالبلاد ما تزال شاغرة علما ان التجارب السابقة تشير الى ان المزيد من كبار المسؤولين سيغادرون مناصبهم قبل انتخابات 2020 مما سيترك المزيد من الوظائف الشاغرة وبالاضافة الى ذلك فلقد سعى ترامب وبشكل متزايد لملء مناصب الامن القومي الرئيسية بأشخاص ثانويين مخلصين سياسيا له مثل جون راتكليف وهو عضو مبتدىء بالكونغرس والذي تم سحب ترشيحه لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية بعد الكشف عن تزوير سيرته الذاتيه.
إن حملة 2020 الانتخابية ستجعل الامور اسوأ بالنسبة لمجتمع الاستخبارات. إن ترامب الذي يسعى بشدة لإظهار قوته وانجازته سيكون اقل حذرا فيما يتعلق بالمعلومات السرية ففي سنة 2017 عرّض ترامب عملية استخبارية اسرائيلية سرية في سوريا للخطر وذلك من خلال التبجح عن ما يعرفه امام زواره من الدبلوماسيين الروس وفي الشهر الماضي استهزأ بايران من خلال وضع صورة عالية السرية من قمر صناعي امريكي للتجسس ضمن تغريده له مع تعليقات مفصلة عن فشل اطلاق صاروخ في موقع تجارب ايراني ولقد سارع محللين من القطاع الخاص للاشارة بإنه سيكون لهذه الصورة قيمة عالية لخصوم الولايات المتحدة الأمريكية .
ان جواسيس الولايات المتحدة الأمريكية لا يستيطعون ان يثقوا بترامب وفي وقت سابق من هذا الشهر علمنا من مصادر متعددة ان وكالة الاستخبارات المركزية اضطرت لسحب جاسوس روسي عالي القيمة بشكل استثنائي من موسكو سنة 2017 لاسباب عديدة من بينها وجود مخاوف بإن ترامب قد يعرض للخطر سلامة ذلك الشخص . ان فضيحة اوكرانيا تعزز هذه المخاوف وذلك كونها تشير الى ان ترامب لن يتردد في تجاهل مصالح حلفاء الولايات المتحدة الامريكية وشركاءها الاستخباريين عندما يناسب ذلك مصالحه السياسية.
ان قرار البيت الابيض المبهم بحجز حوالي 400 مليون دولار امريكي من المساعدات العسكرية التي وافق عليها الكونغرس لاوكرانيا في نفس الوقت الذي كان البيت الابيض يضغط على زيلنسكي هو فقط اخر الامثلة على ذلك . لقد وصف ترامب تجارب كوريا الشمالية الحالية على الصواريخ قصيرة المدى بإنها غير ذات اهمية على الرغم من ان محللي الاستخبارات الامريكان والكوريين الجنوبيين واليابانيين ينظرون لتلك التجارب كدليل على قدرة كوريا الشمالية المتزايدة لشن هجمات ضد اليابان وكوريا الجنوبية (والقوات الامريكية المتمركزة في كلا البلدين).
ان قضية اوكرانيا تعطينا مؤشرا مبكرا على الكيفية التي سيتعامل بها ترامب مع الاستخبارات التي ستهدد امكانية اعادة انتخابه . ان التحقيق الرسمي للنائب العام ويليام بار في اصل تحقيق سنة 2016 في التدخل الروسي بالانتخابات هو مثال نموذجي لجهود البيت الأبيض في تخويف مسؤولي الاستخبارات حيث يبدو ان البيت الابيض يأمل ان هولاء المسؤولين لن يهتموا كثيرا بتحقيقاتهم المتعلقة بالتدخلات الروسية المستمرة. لقد حذرت وكالات الاستخبارات وتطبيق القانون الامريكية بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالية في تقرير رئيسي الشهر الماضي بإن الهجمات الروسية على انتخابات 2020 قد بدأت بالفعل . ان مثل تلك النتائج تضع تلك الوكالات في خلاف مع ترامب والذي ما يزال يرفض الاقرار بإن الكرملين ساعد حملته الانتخابية سنة 2016.
في التحليل النهائي فإن قدرة مجتمع الاستخبارات على اداء دوره الصحيح في ظل هذه الظروف ستعتمد على قادة الاستخبارات فلقد انقضى حوالي نصف قرن تقريبا منذ ان قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق ويليام كولبي بفتح ملفات الوكالة لمحققي الكونغرس بعد مزاعم انها اشتركت في تجسس محظور وعلى الرغم من انه قراره كان مثيرا للجدل في ذلك الوقت ، نحن نعرف الان ان هذا القرار حافظ على مجتمع الاستخبارات وذلك من خلال انشاء نظام فعال للرقابة.
لقد اعتاد كولبي ان يحمل نسخة مصغرة من الدستور الامريكي معه في حله وترحاله حيث حسب وجهة نظره فإن وكالة الاستخبارات المركزية هي جزء لا يتجزأ من الديمقراطية الامريكية والتي تعتمد على الضوابط والتوازنات . ان هذه الرسالة هي احد الرسائل التي يمكن لمجتمع الاستخبارات ان يستمر في تقديمها بشكل واضح وعلني وبدون الخوف من الكشف عن الهوية الحقيقية لإي شخص.
كينت هارينغتون هو كبير المحللين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية كما عمل كمسؤول استخبارات وطنية لشرق اسيا ومدير مكتب الاستخبارات في اسيا ومدير وكالة الاستخبارات المركزية للشؤون العامة.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2019
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة