الغنائية الذاتية في مجموعة (سيأتي من بعيد)

علي لفته سعيد

ينطلق عنوان مجموعة الشاعر محمد الشحات من كونه إشارة كبرى عالية جدا يروم من خلال الدخول الى عوامل نصوصه الشعرية .. فالعنوان ( سيأتي من بلد بعيد ) لا يمكن الاعتماد عليه على انه البوابة الأولى دون المرور بالإهداء الذي يرتبط بآصرة المكوث الاول للفعل التأويلي ومستواه الدلالي كونه يفضح المرامي المهمة التي يبثها الشاعر في نصوصه والتي ارادها دالا لمدلول لما يأتي رغم انه ليس جميع النصوص تأخذ هذا المنحى ولكنه أجبر المتلقّي على قيادة المقاصد باتجاه العنوان الرئيس والاهداء (إلى ابنى إسلام حيث يعيش في بلاد الغربة عله يذكرني إذا ما غبت ) وهو إهداء صادم يشي بالكثير من الشجن على عكس العنوان الذي يشي بالتفاؤل والامل فـ ( سياتي ) في العنوان دال زماني قادم يناقضه في الاهداء مفردة (علّه) وهي استثنائية محتشدة باليأس أكثر منعا بالتفاؤل.. وهو يمضي في منوال تقشير العلاقة بين العنوان والاهداء عبر افتتاح النصوص بثلاثية مخصوصة ومفروشة على مساحة اللغة المؤلفة للنصوص التي قفد تبدو وكأنها جلدا للذات او ترحما على شيء أو توقا له أو هي تسير في انجاز معاملة الرثاء او الوجدانيات فكل هذه الطرق ارادها الشحات أن تكون سبيلا لهذه المجموعة التي لو حصرنا اغلب عناوين نصوصها سنجدها تسبح في فلك العنونة التي ام تكن وحدة من النصوص بل هي جملة في نص هو النص الاول والاستهلال (ثلاثية العشق والغربة ) وعناوين هذه الثلاثية (الغيرة من الشوق / غريب يلقاه غريب / عودة الابن إلى أحضان أبيه) وهو ما يجعل هذه الافتتاحية النصية ترتبط ارتباطا سياميا في مهمة العنوان الرئيس والاهداء فضلا عن عناوين نصوص اخرى ( عاد إلى غربته/ الرحيل عن وطن يأكلنا / متى تورق شجيراتي/ هل أكلتك الغربة / أعرف أنك ما عدت هنا / متى يعود الغائب / العودة إلى الغربة / الحنين إلى الوطن/ العودة إلى الوطن / العودة الى حضن الوطن/ نبضات حروفي/ لا تقسى على ولدى ) وغيرها من العناوين التي تعطي مدلولا يسير باتجاه واحد مفاده انه يروم الوصول الى العنوان وتفاؤله رغم كل الحزن الذي يعيشه حتى انه يفضح هذه مرامي بصوص البكاء والجلوس مع الحفيدة وتكرار اكثر من نص على ذلك.
ان هذه القصدية من المجموعة الشعرية جعلت الموسيقى الداخلية للنصوص وكأنها مبنية على طراز قصيدة التفعيلة.. فهو ينشد الجملة الشعرية انشادا اراده ان يكون مرة حزينا ومرة متفائلا لصناعة فرح ضائع.. حين ارتميت بصدر أمك/ هزني وجه تبدل في ارتجافته/ تبلور واستدار/ فكاد يأخذني المدار/ُ حتى انتبهت/ فخفت إن هي قد رأتني/ أن تداري لهفة /كانت تنام بها لياليها الطوال/ فحملت شوقي وأختبأت/ لكي أداري غيرتي ص5)
هذه الانشادية هي بوح مخبوء في المواجهة لكنها صارخة في الشعر.. انه حنين مرتبط بتلك لمستقبلية ( سيأتي ) .. وهي عملية مقصودة جعلته مرة يدخل الى موسيقى التفعيلة ومرة الى روح النثر بانفعالية قليلة واستطراد شعري (سيعود من بلد بعيد / ْقلت انتظر/ كيما أرتب بعض أشيائي/ وأغلق كوة القلب العنيدَةّ ص 11) وهو ما يجعله يرتبط ارتباطا بالحنين والشوق الابوي اكثر منه عملية ازاحة للحزن الذي يعيشه من هذا الفراق الذي افشى به في الاهداء ( إذا ما غبت ).. ولهذا فان المعادلة النصية التي جعلت من نصوصه الشعرية تحمل في داخلها شاعرية الحنين الحزين غير المتوقع ال لقاء قريب وهي معادلة صعبة ان تتمترس في جملة شعرية ترتدي ثوب العلاقات الاجتماعية من اجل إظهار الكثير مما اختبأ في الحلم والشوق ليبرزه على شكل نصوص شعرية، وهو ما جعل النص الشعري لديه ينفلت في بعض الاحيان حين تنساق الجملة الى مراميه المقصودة.. وهو ما يعني انفلات الموسيقى الانشادية الى عملية شرح لما يعتري الشاعر صاحب النص (عاد إلى غربته/ فتفسخ قلبي/ وتناثر/وتدلى من محبسه/ شوق/ كنت أحاول ألا ينفلت/ فيفضحني ص23 )وان هذا الانفلات جاء بجملة ( كنت أحاول ألا ينفلت ) لان النص الشعري مبني على حقائق غير متخيلة كما يبحث عنها الشعر ومخيلة مبنية على الواقع وهو بين هاتين الجدليتين اراد الاختفاء ليبني نصه الشعري الذي يختتمه بعد كال هذا النزف بص (ميلاد حلم ) وكانه يصارع من أجله من اجل ان لا يشعر بضيق الغربة أو العوق او حتى العقوق .. فالحلم من غربة لا تسكين على امل لقاء قادم سيأتي لاحقا وهو ما يراد له ان يتحقق من حلم ( اسقط قسوته / مسح بعينيه/ كل تفاصيل صغيرتهِ/ لكي لا يقتل ما ارتسم بداخلها/ من أحلام مازالت تحبو ص113)
ان هذه المجموعة ظلت بنيتها الكتابية \تحول رسم غنائيتها الذاتية بطريقة الشعر فتحول الهم الاغترابي الى هم شعري لكي لا لا يكون الالم أكثر قسة او ليخفف الالم بالشعر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة