مستمسكات شخصية

عبد الحسين رشيد العبيدي

لستُ نادما على انقيادي لهذا الدافع الآني، لكن لا سبيل للحيلولة دون ذلك، انها ليست حركة بطولية، جمعت كدسا من الأحذية وأزحتها قرب الرصيف، أحذية متنوعة بأحجام مختلفة، أحذية نسائية ورجالية، أحذية أطفال، أحذية جديدة وعتيقة باليه، أحذية بماركات متنوعة، يراودني إحساس ماحق بتحولها لذكرى مريرة.
حالما كف الحادث عن سلب انتباهي، أحسستُ أن الخروج المجدي من هذا الوضع هو تجاهل الأخطار المحتملة، اجتاحتني نخوة طارئة، هرعت مدفوعا بفضول قاهر، تناولت مكنسة الدكان ورحت أكنس المتناثر من الأشياء وبقيتُ ضحية لهذا الالتزام المأساوي.
_ لقد كان محقا دوستوفسكي، إنها جريمة بلا عقاب: قلتُ لإيفان كاراموزوف.
ركض الناس في كل اتجاه بحثا عن ملاذ متأخر في الساعة السادسة عصر الخامس من حزيران والازدحام في ذروته، بالنسبة لأمثالي ظل المكان مرتعا للمرارة، لم أفلح في التعرف على ملامحي، هشم الانفجار توازني، زجاج المحل، كومة الصحف لبائع الجرائد بعد ان يأس من بيعها: صحف متنوعة، تلعب معنا لعبة المكائد.

  • تسويق لركائز زائفة: قلت لنفسي ساخطا.
    داخلني قنوط مرير، واعترتني ضغينة محمومة وقد صرت عصبيا كمراهق، لقد استكان الناس تحت ضغط الظرف الساحق، لم أستطع استجماع ما يكفي من القوة للكلام، فبقي هناك متسع شاسع من الحوافز الخرساء، وكففتُ عن تقديم نفسي كناصح.
    خيم سكون حذر على المكان، والريبة تدفع الناس باضطراب متعجل وهم يشعرون بأنهم محاصرون، لقد كنت اعزل كحجارة في صحراء في هذا الصخب الدامي، وإنا أقف في الدكان وقد تبعثرت محتوياته، قريبا مني كانت ثلة من الناس يطلقون احتجاجات قاسية وهم يصغون لفتى يروي لهم المشهد.
    لست وحدك من يتطلع بالهوة: هكذا تكلم زرادشت
    تغاضيتُ عنهم متكلفا التذمر، حملت الأحذية بتعجل مأساوي ووضعتها أمام المحل لعل البعض يتعرفون على ضحاياهم من الأحذية، تابعت بشيء من الحماسة، أنه اتفاق أحادي الجانب، حل بائس .. كان انتظارا متوترا مرهقا، كنت أضع لهم أحذية قتلاهم بأكياس نايلون وأسلمهم المستمسكات الشخصية للقتيل .. وهذا ما فعلته معها. كانت إمامي عزلاء بوجه محتقن، وجهت اليّ بضعة لوعات وهي تشير الى كومة الأحذية، جللتني تلوّنات صوتها فبقيت أتحمل ثقل الأمر وحدي، سيطرتْ عليّ فكرة التعجل وهي تنظر اليّ بجزع، وضعتُ لها حذاءين، أحداهما صغير، وناولتها الكيس.
    . لقد أمست مأساتها موثقة بالأدلة، بقينا كل واحد في ضفته غريبين دون ان يكره أحدنا الأخر، لم يبق شيئا، ربما بعض اللحم المتطاير الذي ستستفاد منه الكلاب السائبة ليلا في الحديقة الواسعة التي تضم تمثالا لأسد بابل، طوطم المدينة الأزلي، المثقل بالمبالغة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة