كُلّلُوش اضمامة قصص قصيرة

د. نجاح هادي كبة

تقع اضمامة قصص كُلّلُوش لرغد السهيل بحدود (13) ثلاث عشرة قصة منها :حديقة جمعة اللامي، كُلّلُوش، حيوات الوجوه … وآخرها البركة ، صدرت المجموعة عام 2017م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، تمزج رغد السهيل في السرد بين الاسلوب الفنطازي والحكواتي والأخيلة الاسطورية واسلوب السيرة الذاتية والعامة، بالإضافة الى توظيف الدايلوج والمنولوج واسلوب الراوي العليم والضمني ، فكل قصة من القصص المجموعة بانوراما مشكَّلة من لوحات عدة يجمعها اطار واحد ينتهي بانسيابية مفتوحة ، ولغتها تقترب من اللغة الوسطى بين العامية والفصيحة لكنها ذات خيال جامح وفكر خصب ، تعالج قصائدها الخراب العراقي بأسلوب ساخر ورمزي وتضع بصماتها على جروحه ، وقصص المجموعة لا تخلو من التأثر بقصص الكاتب الكولومبي (ماركيز الفنطازية) ، ولابد من الاشارة الى ان العنوان دال المدلول ، فكُلّلُوش – كما تقول القاصة – (هو الصوت الذي تطلقه النساء في العراق عند الافراح ويعرف بالهلائل والزغاريد) ، لكن القاصة تناصت مع مضمونه تناصياً عكسياً فوظفته للنعي بما يتلاءم مع مضمون هدف سردها الذي هدفت من خلالها تعرية الواقع والخراب الذي عمّ العراق – كما ذكر آنفاً – فوظفته بهذا المعنى للسخرية وانتقاد الواقع العراقي المؤلم الذي يمر به ابناء وطنها ، ففي قصة (حديقة جمعة اللامي تسرد حكاية (فرخندة) – وهي شابة افغانية قتلت واتهمت بالإلحاد عندما صاحت برجل يبيع الخرز للنساء – التي (قالوا : قتلت، لا بل احرقت، بل ذبحت كشاة ثم سلخوا جلدها ، وقيل اعدّوها للشواء كنعجة صغيرة) ص:11 .
لتربط هذا المضمون الشاعري المؤلم (بنادية مراد) – وهي فتاة يزيدية عراقية اختطفت من قبل الارهابيين ، هربت وابكت حكايتها الحضور في الامم المتحدة – وبالمخيال الاسطوري تستمر القاصة بسرد الخراب العراقي (تتحرك باقة الورد برفقة ابي حكمت الشامي ، وهو ابن جمعة اللامي – ومن قتل فرخندة وجه الشمس ابنة الفجر، سألت باقة الورد – لست ادري لكن سليمة – احدى ابطال رواية النخلة والجيران لغائب طعمة فرمان ، قتلها رئيس مجلس العلماء وبقر بطنها ، قال جمعة اللامي لن تموت – اسرعي لندخل حديقة – زينب شخصية سردية لجمعة اللامي – وبهذا الاسلوب الفنطازي – الاشاري تربط القاصة بين هدف مضمون سردها وبين ما ينسجم معه من السرد عند الاخر لتوسع افق مضمون سردها بأسلوب سيموطيقي– فنطازي ، وفي قصة (كُلّلُوش) توظف القاصة اسلوب السيرة الذاتية والعامة وبأسلوب فنطازي ، لتذكرنا بشخصية (سامسا) في المسخ لكافكا مستخدمة اسلوب القرين (لم اتعرف عليّ عندما رأيتني في المرآة ، بدوت سمينة منفوخة كبالون … اناس من سلالة نادرة من الذباب الملكي الاصيل ، ماذا عنكم؟ ) ص:21، وهكذا تولّد القاصة التناص في السرد بأسلوب حوارات باختين ليتمدد السرد (فمن سلالة تكره النفايات العشوائية الفوضوية عوّدتنا كُلّلُوش على نظافة القرية – كانت مهمتها التخلص من النفايات، حتى تصارع القوم بينهم بسبب البصل) ص: 21. وهكذا ترمي القاصة الى نقد سلامة البيئة بأسلوب فنطازي – رمزي ثم لتجعل من البصل مشكلة المشكلات في القرية لتشير بسخرية الى انتقاد الخراب العراقي الراهن
(-دعك من حكاية تلك الطائرات، فمن يفرّ من قدره؟ وحدث ما حدث عندما التهم الحاج حكيم بصلة … فسقط ارضاً وحمله بعض الفلاحين الى بيته ليسلم روحه لبارئها مساء وظلت القرية اياماً في حالة عزاء وحزن … فانتشرت الاقاويل بأن محصول البصل لهذا العام مسموم ويجب التخلص منه ) ص: 32 ، لتنهي القاصة سردها بأسلوب الراوي الضمني مخاطبة الذبابة (تدخلت القاصة التي كانت تصغي ، وقالت : انت تهذين يا عزيزتي الذبابة فكيف تتذكرين كل هذا وعمر ذاكرتك اقل من دقيقة ، اسمعي ارى حيواناً آخر على وجهك) ص: 38 ، وهكذا توظف مذهب الاحيائية في سردها ، لتجعل حتى من الذبابة وغيرها من الحيوانات تتحدث عن واقع خراب المجتمع متأثرة بحكايات الحيوان كما في كليلة ودمنة وغيرها ، وفي قصة حيوانات الوجوه توظف القاصة في سردها اسلوب القرين من خلال المرآة وبأسلوب غرائبي – فنطازي (هل للوجوه اقدام قد تهجر اوطانها ، اقصد اجسادها ، اين ذهب وجهي ؟ لكن اصبحت امرأة بلا وجه) ص: 39، ثم لتفاجئ المتلقي بالحقيقة بعد فترة من السرد (كل الحكاية ان القاعدة الخشبية لمرآتي متثلمة مفطورة، فهبطت المرآة ومالت الى جنبها فانكسرت صورتي، وقطع رأسي) ص: 39، ثم تتمدد القاصة بسردها لتتحفه بلوحة بانورامية اخرى … فالبشر بلا وجوه انسية، اختفت وجوه الانس المعتادة وانتصبت فوق الاجساد وجوه حيوانات، هذا له وجه فيل بخرطومه الطويل، كل وجه يفيض بمحتواه، تحرك صاحب وجه الفيل، ومدّ خرطومه محاولاً ابتلاعي عبر خرطومه، فنأيت عنه وانا اضحك لفقد شعرت ببلاهته) ص:43. وتعمق القاصة الاحساس بالاغتراب في مجتمعنا بعد ان تحطمت النوايا السليمة (المرآة الصافية) التي تعكس تلاحم المجتمع وحلّ صوت المادة فلا يقابل الانسان في مجتمعنا – بحسب القاصة – الا اناساً ركبت على اجسادهم رؤوس حيوانات يريد ابتلاع أحدهم الآخر الذي فقد الامل بالمستقبل وتحطمت مرآته، وفي سوق المرايا شاهدت القاصة سمساراً (ترى ما الذي يفعله هذا السمسار في سوق المرايا؟ (شغلني عنه وجه الثعلب المبتسم، وهو واقف بباب محله … فقد لمحت في داخله مرايا مهشمة) ص: 41. ويبدو ان القاصة تشعر انها جزء من مجتمع هجين اجساده بشر ورؤوسه حيوانات، فلقد تصورت ان لها وجه نسر من خلال مشهد وصف طفلة (خفت من وجهي الذي لم أره اليوم، خفت عليها مني، قد يكون وجهي وجه نسر يرعبها) ص: 42. والقاصة تصرح علانية انها في هذا السرد الحيواني – ان صح التعبير – وجدت نفسها في جوف الاسطورة (ابو الهول له انسان وجسم اسد، حوريات البحر الانثويات الجميلات صاحبات الرؤوس الانثوية واجساد الاسماك، ولو عددنا لن ننتهي) ص: 43. ثم تنقل القاصة المتلقي من هذه الاجواء الحيوانية والاساطير لتفاجئه – كما سبق – بلوحة بانورماية جديدة تكمل اللوحات السابقة في السرد وبوحدة موضوعية (ما أجمل ان تعيش داخل اسطورة، لتكن نفسك اسطورة سأطبع نصيحة الحاج باولو كويلر عندما التقيته قرب تمثال شهرزاد، فقال لي ابحثي عن اسطورتك الشخصية لكنني لا أحب كويلر هذا، فليس في سرده لعبة فنية) ص: 43. ولكي تمهد القاصة لنهاية انسيابية فلم تجد خيراً إلاّ في هذا السرد الحيواني حتى انها هرعت للمقهى (لم أجد سوى كلب يدور اقصد رجلاً له وجه كلب، كان يسير خلف سيارات زجاجها مظلل تذكرت من خرج السرد من تحت معطفه، فلقد قال لي يوماً وهو يحدثني عن يوميات مجنون، الكلب سياسي متفوق لا تفوته شاردة ولا واردة ثم لتأتي
الضربة المفاجئة لتخبرنا عن هذا السرد الغرائبي انها كانت في حلم (وعندما
افقت في الصباح شربت فنجان قهوتي ونظرت في مرآتي فرأسي ما زال في مكانه…) ص: 44. لكن الخراب بدأ يزحف علينا وليس بمحله كرأس الساردة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة