الحكومة المبصرة والواعية والرشيدة هي الحكومة التي تقترب من هموم الشعب وتنصت لصوته وتتفاعل مع انشغالاته واهتماماته ..وفي اكثر من دورة انتخابية تعكف جلسات مجلس الوزراء على دراسة مقترحات القوانين والقرارات التي يجري مناقشتها ومن ثم التصويت عليها والاعلان عنها في وسائل الاعلام من دون ان تكون هناك عمليات رصد وتتبع لردود فعل الجمهور على هذه القرارات والقوانين لذا ومنذ سنوات يعاني الشعب العراقي من وجود فجوة واسعة بينه وبين حكومته المولودة من شرعية مجلس النواب وتغفل الحكومات المتعاقبة اهمية الاصغاء الى صوت الناس في صلب المناقشات التي يجري تداول الشأن العام فيها ولطالما سمعنا وشاهدنا مجالس برلمانية منتخبة وحكومات ممثلة بمجالس الوزراء تستضيف ناسا بسطاء من عامة الشعب لغرض التشاور معها وتبادل الرأي في شأن من الشؤون العامة فيما تتخذ دول اخرى من استطلاعات الراي وسيلة من وسائل التواصل مع حركة الرأي العام خاصة في القضايا المصيرية والمشكلات الكبرى .
اليوم العراق يضج بمشكلات كثيرة وازمات متعاقبة ولايمر شهر واحد من دون ان تكون هناك قضية رأي عام يتصاعد الاهتمام بها لتغدو حديث الساعة في الشارع ومن الغريب ان مثل هذا الحديث لايحظى باهتمام حكومتنا وتمر تفاصيله مرور الكرام على اجندات وجداول الاعمال بالنسبة لرئيس الوزراء او مجلس الوزراء وعلى سبيل المثال لا الحصر تفاعل الجمهور العراقي خلال الاسبوع الماضي مع حدثين مهمين هما وفاة الطفلة رفيف في احد مستشفيات الديوانية بسبب عدم توفر جهاز طبي بسيط لايتعدى ثمنه بضع مئات من الدولارات حسبما نقل لي احد الاطباء وتعرض ذووها لاجراءات روتينية معقدة خلال عملية اسعافها ونقلها من مدينة الديوانية الى النجف ومن ثم الى بغداد مما تسبب بوفاتها من دون ان تكون هناك معالجات حقيقية سوى تشكيل مجلس تحقيق من قبل وزير الصحة وادانة احد الاطباء بهذا التقصير واهمال القضية الاهم التي تتعلق بفقدان العديد من المستشفيات الاجهزة والمستلزمات الطبية التي لها مساس بحياة المرضى.
اما الحدث الثاني فيتمثل بقيام سائق عربة صغيرة مخمور باقتحام تجمع لمعتصمين من حملة الشهادات العليا امام مبنى وزارة التعليم العالي مضى على اعتصامهم اكثر من اربعين يوما لغرض المطالبة بالحصول على فرص عمل في وظائف جديدة مما تسبب بإصابات بليغة لاحدهم وهو مايزال في غيبوبة داخل احد المستشفيات من دون ان يكون هناك جواب شاف لمطالبات هذه الشريحة المهمة ..مثل هذه الاحداث وغيرها يتفاعل معها الناس لأنها جزء من نسغ حياتهم وتتعلق بحاضرهم ومستقبلهم وهي تمثل اختبارا مستمرا لقدرات الحكومة في التفاعل والاستجابة لطلباتهم وبالتالي فان اغفال الاهتمام بها من قبل السيد رئيس الوزراء او مجلس الوزراء يمثل صدودا ونكوصا في الاداء المهني والاخلاقي لعمل الحكومة وفي الوقت نفسه يزيد من الفجوة والاغتراب بين الشعب وقادته من الممكن ان يتطور بمرور الايام الى مظاهر رفض والرغبة بالانتقام من ممثلي الحكومة ورفع سقف المطالبات في التجمعات الجماهيرية والسؤال المهم هو ..اذا لم تحرك روح الضحية رفيف طفلة الديوانية مشاعر رئيس الوزراء ؟واذا لم يرف جفن مسؤول حكومي لاعتصام حملة الشهادات العليا خلال اكثر من شهر فمتى واين سيتجلى احساس الحكومة بمشكلات الشعب العراقي ومعالجتها .
د. علي شمخي