الاصابع في المجتمع الاشاري (1)

اسماعيل ابراهيم عبد

اسماعيل ابراهيم عبد

هذه البيئة تتشكل تحت ظلال اللسانيات، كونها اشارات طباقية تنمو حثيثاً بهيئات موحية. والطباقية قد تحول الى طبقية من نوع (ما)، لنتسلسل مع مكونات البيئة الاجتماعية هذه على اساس تنامي الإشارات لتتحول بنيات علائقية على النحو الآتي:
أ ـ اشارات المرحلة الاولى
لننظر في النص الآتي:
(خبز الاعاشة) كان هذا الخبز يصنع من أردأ انواع الطحين المليء بالشوائب والتراب .. ولا يسعى أحد لتنظيفه .. يُخبز هذا الطحين الترابي حال جاهزيته بعد العجن .. ويتم تناوله لسد الجوع الذي كان يرافق حياتنا .. ظل رغيف الخبز أشبه بالقمر في ليل مثقل بالهموم ..
الاشارات الاولية هنا تتآلف من ثلاث إشارات تؤلف بيئة الطبقة الفقيرة من عمال ومسحوقين , ومظهر هذه المرحلة يتميز بـ :
1 ـ خبز الاعاشة المشترك بين الجيش والمدنيين إشارة الى عسكرة حياة الشعب. 2 ـ الطحين الخليط بالتراب: إشارة الى زمن الحرب والحصار ب ين1990 ـ 2003. 3 ـ الخبز والقمر والهموم: إشارة الى مبدأ العيش والامنيات وما يتعلق بينهما من سوء تشكله عتمة الليل وسواد الخبز وعلو بياض قمر الامنيات.
ب ـ اشارات المرحلة الثانية
انها اشارات تنحو الى اكمال توصيف الطبقة العاملة والتصريح بكونها ستتم طبقة اشارية جديدة تم الكشف عن مبتدئها سابقاً .. فلنتابع:
ظل الخبز شاغل حياتي كلها .. كان بمثابة الرجاء في تناول رغيف خبز حار ببشرة بيضاء .. كما العذراء الشقراء المثيرة بدءاً بأصابعها وهي تمسك برغيف الخبز، وصولاً الى شفاه تقطر عسلاً وهي تلامس رغيف الخبز الذي أعده للزبائن صباحاً، فيما أباهي نفسي بتناوله استثناء من اقراني الذين يكتفون بتناول (خبز التموين) .
اقترنت هذه البيئة بالإشارات الآتية:
× ان الطبقة الفقيرة طبقة العمال برمزية عامل المخبز.
× ان أكثر طموحات هذه الطبقة هي تلك التي تتعلق بلقمة العيش لا غير.
× ان الحلم الأساسي لأفرادها هو تحسين مستوى الغذاء ليكون على شكل خبز أبيض. × الحلم الثاني هو رؤية شفاه جميلة على أسنان تعلك الخبز الأبيض المباع من يد العامل النشيط.
× افراد الطبقة جميعهم من المستوى الادنى للمجتمع , كون الغذاء من الخبز الأسمر . × افراد هذه الطبقة ذوو أصابع منتجة.
ج ـ اشارات المرحلة الثالثة
لنتابع النص الآتي وعلى أساسه نؤلف مميزات طبقة المرحلة الاشارية الثالثة:
كنتُ ـ يقصد صرتُ ـ مميزاً منعا مترفاً بالخبز الابيض الحار … كبر طموحي. صرتُ أعدُّ نفسي لمشروع أرتقي فيه من عامل في مخبز .. الى صاحب فرن … لم أجب عن أسئلة تتعلق بالأُسلوب والطريقة التي أصل من خلالها الى هذا الهدف المرتجى. الاشارات هنا تتضخم وتبان عبر التأويلات الآتية:
1 ـ هي طبقة نامية تمثل الطبقة الرأسمالية الحديثة.
2 ـ تتمتع بنعيم الثراء المؤشر دليله بالخبز الأبيض الحار.
3 ـ يمكن التعرف على مؤشرات المرجلة القادمة لهذه الطبقة (الاشارية والاجتماعية) عبر التحول القولي للملكية (من عامل فرن الى صاحب فرن) .
4 ـ الايمان الحتمي بالوصول الى الهدف , الذي نستشف تحققه الثقة الكبيرة للعامل الطموح. 5 ـ التأويل الأخير ـ كما نعتقد ـ يقرر إشارة أساسية للتحول الرأسمالي الخاص بالبلد كونها تحولات لن تهتم بالوسيلة , انما بالغاية على وفق المبدأ الرأسمالي التقليدي (الميكافيلي) « الغاية تبرر الوسيلة «,وفي العراق يأخذ الجانب الأسوأ وهو (لن يكون رأسمالاً كبيراً حقاً إلّا بالتخلي الاخلاقي , ليصير برفقة القتلة والمجرمين والسراق الرسميين).
د ـ اشارات المرحلة الرابعة
وبعد تشكل الطبقة الرأسمالية النامية ستصطدم بأحوال البلد الجديدة , هذه الأحوال التي غيبتْ الطبقات للمراحل الثلاث السابقة لصالح الطبقة المتسيّدة الآن .
لنتابع حواراً بين الطبقة المتسيدة (المتشددين من قوى الارهاب) وما نتج عنه , إذ أن المالك الجديد استعان بالشريك المالك السابق ليتجنب الصدام مع المتشددين :
تقدم إليهم الحاج سلمان وسألهم: ـ كم تريدون من الخبز؟ ـ بما تجود به أياديكم. ـ أيادينا لا تجود إلّا بما تدفعون ثمنه. ـ نحن لا نتعامل بالنقود .. نتعامل بالنوايا الحسنة .. ـ ونحن نختلف عنكم .. نتعامل بكليهما .. بالنوايا الحسنة والثمن الذي نأخذه مقابل تزويدكم بالخبز. ـ يعني انكم ترفضون دعم (المجاهدين) بالخبز! ـ نحن ندعم الحق لا الباطل .. ـ يعني أنكَ تتهمنا بالباطل .. وحين تدخلت لفض الاشتباك بين الطرفين .. شهروا أسلحتهم سوية وأمطرونا بسيل من الاطلاقات النارية .. سقطنا أثرها قتلى نلوذ بدمائنا..!.
هكذا هي انثروبولوجيا الحقيقة والبيئة والفن القصصي بالعراق!
أهناك أبلغ من الأصابع تعبيراً عن أوجاع البلد بجرحه المفتوح لكل صاحب مشرط ليُجَرّب مضاءَ مشرطه فيه!

(1) حسب الله يحيى , قصص اصابع الاوجاع العراقية , الشؤون الثقافية العامة , بغداد , 2017
(2) قصص أصابع الاوجاع العراقية :39
(3) قصص أصابع الاوجاع العراقية :40
(4) قصص اصابع الاوجاع العراقية :41
(5) اصابع الاوداع العراقية : 45

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة