لماذا الفن ؟

محمد زكي ابراهيم
ثمة من يرى أن الفن مفهوم حديث نسبياً ظهر في منتصف القرن الثامن عشر، عندما جرى التفريق بينه وبين الأعمال اليدوية الأخرى. وخرجت فعاليات حياتية مثل الرسم والنحت والغناء والشعر بموجبه من خانة الصنعة إلى خانة الثقافة.
وكانت السمة التي أخذت بنظر الاعتبار في هذا التصنيف، أن الفنان يمتلك قدراً من الإلهام لا يمتلكه الحرفي الذي يعمل على وفق نظام صارم تتوارثه الأجيال وتعيد إنتاجه في كل مرة، من دون كلل أو ملل.
والفن بهذه الطريقة لا يشبه بعضه البعض الآخر. وإذا ما فعل ذلك فإنه يفقد أهم ميزة له وهو الإبداع. بل إن محاكاة الواقع كما هو لا تعطي مدلولاً فنياً جيداً، لأن صفة الإبداع الكامنة فيه تتضاءل إلى أدنى قدر ممكن!
إن مقدمة من هذا النوع ربما تبدو ضرورية للإجابة عن أسئلة من نوع لماذا الفن، وما هي ضرورته في حياتنا اليومية، وما الذي جعله متواضع التأثير لدينا نحن في هذا الزمان.
لعل جناية الفن الكبرى لدينا، أنه منذ منتصف الثمانينيات وحتى وقت غير بعيد، اقترب كثيراً من الواقع، ولم يستطع أن يرتفع عنه، أو يتمرد عليه. فكانت الفنون الجميلة تصور حياة الناس، بكل ما فيها من تراجع، من دون أن تتمكن من تجاوزها، في قليل أو كثير.
لكن الابتعاد الشديد عن الواقع إلى درجة الاغتراب تفقد الفن ميزة مهمة هي الخصوصية، التي تنفي تهمة الهبوط من كوكب آخر.
إن المدارس الحديثة في الرسم لم تتجاهل البيئة التي خرجت منها، ولكنها اقترحت حلولاً جديدة أكثر عمقاً، لأنها لم ترغب أن يتحول هو إلى تصوير آلي لا يحمل أي صفة إبداعية.
كما حاول المسرح الخروج من هذا المأزق بابتكار طرق جديدة لتجاوز النمطية السائدة في المجتمع. ولولا ذلك لتكررت المشاهد وفقدت قيمتها لدى المتلقي، ولم تعد تغريه بالاستزادة أو معاودة الحضور.
مثل هذه الحال لم يكتب لها النجاح في بلادنا، منذ وقت طويل. وبسبب ذلك لم تعد عليها بفائدة تذكر. فالجمال هو رد فعل طبيعي إزاء ما يعرض من أعمال فنية. وحينما لا تكون العروض مقنعة فإن من الطبيعي أن تكون موضوعة الجمال متواضعة جداً.
بعد عام 2003 أصيبت الحركة الفنية بالشلل. وكان أن علق الأمر على شماعة المرجعيات الدينية والأخلاقية التي تولت السلطة منذ ذلك التاريخ.
ربما يحتاج الفنانون إلى وقت ما حتى يعاودوا الكرة ويستوعبوا الدرس. ولكن من المؤكد أن أعمالاً بالغة العمق، ستحمل معها من الروح والوعي الشئ الكثير.
كل ما نحتاجه في هذه المرحلة هو الإحساس بأن الحياة من دون فن ليست إلا مرحلة سبات، تتوقف فيها الحركة، وتطول فيها المعاناة، ويتحول كل شئ جميل حولها إلى عبث وموت وخراب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة