رواية عبده خال (ترمي بشرر).. تنوعات التأويل وجماليات المكشوف

القسم الثاني
ناجح المعموري

لكن اعترافه المفاجئ والصريح جداً أمام عبده خال إعلان عن المأساة البشرية التي عاش تفاصيلها عاشقاً وملتذاً بالجسد الأنثوي لمرام الى حدود قصية جداً، وهو-آنذاك-لم يعرف بأن مرام هي أخته من زوجة أبيه، والتي تأخر في مساعدتها عندما طلب منه إبراهيم. وهذا الإصرار على القطيعة مع أخيه وأمه هو الذي أوقعه بالمأساة الحقيقية التي كشفت له تفاهة الحياة وأضاءت أيضاً فتنة الجسد والطاقة الأغوائية الهائلة التي ميزت عيني مرام في لحظة ما. والحوار، أو مقطع منه، سبق كتابة الرواية زلزال واجه مدوّن شبكة الحكايات/ عبده خال الذي عرفه طارق
– أنت عبده خال
– أهلاً « قلتها بخجل شديد «
– شاهدتك هنا مراراً، وسمعت أنك تكتب روايات ، وعندي لك قصة يمكنك كتابتها/ص386
تحدث طارق بالتفاصيل كلها وكان معه أغيد أبن أخته وتميز حديثه بالكشف الصريح، وبدا صادقاً لعبده خال عندما قال له:
– أنا لوطي!
أنها مثل الرصاصة- هذا ما قاله عبده خال-
– هل سمعت؟ أنا لوطي بل أكثر رداءة مما نتصور……
– هذا هو أغيد، الضحية الحقيقية لكل ما أحدثك عنه، فأمه اختفت تماماً كريح لا يعرف أي الجهات سلك، ولم أعد أعرف لها مكاناً وأبوه لازال في المصحة/ ص387
لم يكن اعتراف طارق من أجل التطهر والخلاص كلياً من سقطاته وزلّه المستمر ومثلما هو متوقع باعترافات جوزيف عصام الخطايا الجنسية مع سبق إصرار وهذا ما حصل لهيبا مع أوكتافيا ومارتا والشاب جوزيف عصام وطارق وتذكرنا ترمي بشرر برواية يوسف زيدان الأكثر تبدياٍ في مزاولة اقتراف الخطية حاضرة فيها ولم تستطع الثقافة والمقدس حماية الجسد الأنثوي بضوابطه الصارمة، وحصل تجاوز سحتوي عليه.
هو لا يستطيع التبرؤ من ذنوبه الكثيرة والأخطاء الفادحة التي لحقت به منذ كان فتياً في حي الحفرة وحتى آخر كارثة وقعت وهولا يعلم بالتفاصيل. الديانات وضوابطها الأخلاقية والردمية، لم تستطع منع العلاقة الجنسية مع المحرم إن كان أحدهما يعرف بالآخر أو يحمل الصلة. ومحاولة اعتراف جوزيف عصام أمام طارق، سعى للتخلص من ضغوط علاقته مع ابنة شقيقته وأتذكر سلان رواية عزازيل ليوسف زيدان وعلاقة هيبا الراهب مع أوكتافيا في المرة الأولى وثانية مع مارتا في الدير، والأكثر من هذا ما قاله الشاب الذي عاد بالمعزة من سفادها وألح أن يستمع له هيبا لأنه لا يستطيع الاعتراف في الكنيسة لأنه معروف وقص عليه اتصاله مع المعزة وعنفته أمه الأرملة التي غسلت ذكورته وفي ليلة وهما وسط كوخ بلا سقف اتصل جنسياً بوالدته وقال للراهب: كانت تستمتع وتأتي أخته المتزوجة عندما يسافر زوجها وتمكن منها وكانت تدعوه لممارسة الجنس وحملت منه. ولم ينتظر هيبا الاعترافات الأخرى، هذه خطايا جنسية حصلت مع الأم والأخت والمعزة وبسبق إصرار، كذلك العلاقة الجنسية بين الراهب هيبا والوثنية أوكتافيا ولاحقاً مع مارتا التي تعرف عليها في الدير. الخطية حاضرة في أعماق الإنسان ولم تتمكن الديانة السيطرة على الرغبة والشبق ولم تستطع الثقافة والمقدس حماية الجسد الأنثوي على الرغم من الضوابط الصارمة . لكن الإغواء واثارات الجسد لا تقاوم.
حياة طارق فاضل مزدحمة بالأخطاء وارتكابات الدنس والتجاوز على الأعراف والتعاقدات الاجتماعية، لكني أعتقد بأن طارق واجه أكثر من صدمة في بيت إبراهيم ودائماً ما يكون المقدس ملاذاً للتخلص من الأخطاء، وهذا ما حصل مع جوزيف عصام الذي وجد الاعتراف أمام طارق ممكناً، ويوفر له فرصة التطهير. وهنا نجد بأن جوزيف وأي مخطئ دائماً يقترح الآلية المنقذة التي يراها هو. ويتضح ذلك جلياً باعترافات جوزيف غير الصحيحة مسيحياً، اللوذ بالمقدس محطة أخيرة، وهذا ما حاوله طارق في دخوله للجامع مع أغيد وأخيه إبراهيم. حاول طارق إضفاء مسحة من التحول والبراءة من الذي أقترفه وكان بكاؤه شكلاً من التطهر وهو يرى أغيد ينظر إليه [ الكارثة أن هناك من يعيش حياة الفضلة في محياه ومماته/ص384
احتمل استنشاق ما لا تطيق» هذه إحدى نهايات الميتا- سرد في نهاية الرواية، والميتا هذا وغيره مفتاح قادر على فتح الباب القوي والواسع. والحوار الذي دار بين « طارق غير المعلن عنه» وعبده خال جاء متأخراً، وهو الأول الذي استمع له الكاتب وحوله الى رواية وتصرف الكاتب بتراتبية الوقائع والأحداث ذات الصلة بالسلطة السرية « قصر السيد» سلطة مؤسطرة وغرائبية وفيها لا معقولات كثيرة، لكن الواقع مختلف فيها، كامن بوصفه جوهراً حاضراً وغير غائب وذكاء عبده خال فمثل باللعب على الوقائع ونثرها بآلية جعلت منها اشتباكات فيها شيء من التعقيد، ومفاجأة طارق لنا كقراء بالقول بأنه لوطي وفي هذا التصريح اعتراف بالانحطاط والرذيلة والقبول بعلاقة مع الشيطان الذي اتخذ مكانه في الشرح واللوطية فعل اتصال جنس بالمثيل وينطوي على معنى آخر، هو الإيلاج بالذات كما قال عبد الكريم ألخطيبي» أنا لوطي» وحتماً كانت صورة ابن خالته الذي دق مسماره في خشبته لأول مرة، وصار هذا انشغاله ولاحق كثيراً « ياسر مفتي» واتصل معه، إضافة الى علاقته غير المعلنة مع السيد ونادر. طارق محترف اللواطة وحتماً أقام ذلك أثناء علاقته مع مرام . ممارسة اللواط فبول بالشيطان ودخول إليه. وأعتقد بان العلاقة المثلية التي أشارت لها الرواية وتوفرت عليها كثير من المرويات المحفوظة بالذاكرة الجماعية، هي امتداد لما كان يتم في المعابد الدينية في بلدان الشرق . ظل طارق طويلً يلاحق الفتيان في حي الحفرة، وحاوله مصطفى القناص لولا عيسى الرديني وحينما (رفع عيسى الرديني يده يمنع مصطفى القناص من نهش اعتدادي برجولتي )/ص342.
الشيطان لم يفعل المثلية الذكرية ،بل هي مدعاة للمباهاة والإعلان الصريح عنها مثلما بين طارق وعبده خال . في آخر جلسة قال لي : -هل ستكتب حكايتي كما هي ؟
-سأحاول
وقف مودعاً له ، ….سأقتله يوماً ما ، مازلت أحاول أخذه على حين غرة لكنه كسمك قرش ينام مفتوح العينين ، لن أيأس سأحاول مراراً …. يبدو أنه لم يشف من ثرثرته الطويلة التي أتخذها كوسيلة لإظهار الندم أو التطهر بإخراج الكلمات الحارة .
-لو سمعت خبراً عن فعلتي لا تصدق أني معتوه /ص388 . هذا آخر ما قاله طارق فاضل للذي سيكتب /كتب حكايته التي انتهينا منها وتركت فينا جرحاً ومأساة للنهايات المؤلمة التي حافظت عليها ذاكرة الرواية . وواضح من الحوار بين الاثنين إلحاح طارق على ضرورة الالتزام بالتفاصيل الكاملة للحكاية. وأخبر الكاتب /عبده خال بأنه سيقتل سيد القصر في يوم ما. على الرغم من أنه يتخيل طريقة مقتله يومياً ووجد بأن تخيل القتل ،ليس مثلما هو حقيقة. وحلم طارق بقتل سيد القصر ،حلم كرره عيسى الرديني الذي لم ينجح بذلك ونشرت جريدة الوفاق بعددها 1412 مانشيتاً صحفياً :
بسالة ويقظة حارس الأمن ترديه قتيلاً ./حرف أسود جاء
مقتل معتوه داخل أحد القصور حاول الاعتداء على ساكنيه بالقتل لم تستطع الصلاة مع إبراهيم والإحتماء بالمقدس إنقاذ طارق من الخطايا والتراجيديات الشاهد عليها .وحاول إنقاذ الضحايا وتحرير نفسه من الماضي الممتد لثلاث وثلاثين سنة في خدمة السيد ، لكنه لم ينجح بمهمته مثل عيسى وختم السيد على طارق بالقتل وكان الإعلان عكس حقيقة ما جرى وتوفيت شهلا ودفنت في البقيع قرب سلالتها .
وماتت حكاية حبها للرجل الذي كل المجد والمال وظل بانتظار الاقتران بها في يوم من الأيام، التقيا بالمستشفى وكشف لها عن سره وعشقه لها ولم يسعفها الوقت لتقول. //كنت قاسية عليه ،وكان الوقت قصيراً، فلم أبح له عن عذاباتي ، وأنه لم يمض يوم من غير أن أحلم برؤيته ، مجرد رؤيته ،وعندما وجدني لا أقول شيئاً ،دفع عربتي ، وأعادها الى مكانها وانسحب//ص324.
رؤية اللحظة الأخيرة لكل منهما ، ودائماً ما يضع عبده خال شخوصه وسط دوامة المفاجأة واللا توقع ، فما كان عصياً وصعباً يتحقق بلحظة خاطفة وأحياناً لا يتحقق، وما حصل لشهلا مشهد درامي وكأنها محكومة بلقاء اللحظة الضائعة، والزمن الدوري بطيء وكأنه يحمل أثقال ومتاعب الصحراء كلها وما حصل لشهلا تكرر وكأنه مصير موضي المطلقة بانتظار اقترانها بعيسى الرديني الغائب تماماً وهي لا تدري، وستظل مترقبة حلمها الذي لن يكون. ولم يجد كمال عزاء له غير زيارة قبر سميرة، وتحول القبر بديلاً لها، يستحضرها ويتحدثان وظل هكذا ملاحقاً بفجيعتها ولم يختلف عن غيره، حتى سميرة ضحية التعاقد الآني والنفعي في مجتمع لا يعرف غير الثروة، ماتت في أيامها الأولى بعد الزواج ولم تترك غير حضور رمزي « تفرغ كمال لزيارتها عصراً، وسقي الأشجار والأعشاب التي تحف بقبرها/ ص338

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة