ملاحظة منهجية عن وساطة العراق

في المنظور الحديث للعلاقات الدولية لا يمكن لطرف ان يتوسط في أزمة متفاقمة على الارض ويُبعد دولتين عن حافة الحرب إلا ان يكون طرفا مؤثرا وصاحب وزن في المعادلات لكي يَحسب الاخرون حسابه، ويأخذون بمقترحاته.

والوساطة لا تتمثل في المهمة البريدية لنقل رسائل المتخاصمين ووجهات نظرهم في الازمة في عصر تطورت خلاله، وتعقدت، اساليب المخاطبة ومجساتها وتبادل الافكار والاملاءات بين الدول، واتخذت الرسائل شكل استعراض قوة وتقنيات وتهديدات مكشوفة ومبطنة، كما حاصل في الازمة الاميركية الايرانية . 

وساطة العراق بين ايران واميركا (والامر لا يتعلق بالتمنيات) تحتاج (لكي تنجح) ان يتحول العراق من (ملعبِ) متأثر بالاخرين الى (لاعبِ) مؤثر فيهم، وذلك لا يتم من غير (اولا) بناء الجبهة الداخلية وترصين مقومات المصلحة الوطنية والتزامها من قبل جماعات السياسة، و (ثانيا) اعادة بناء الاوراق الضاغطة على الطرفين ولجم التصريحات واجواء استعراض القوة المنحازة لأطراف الصراع وبخاصة من قبل قوى الشراكة في السلطة، و (ثالثا) الحصول على موافقة وترحيب مسبقين من طهران وواشنطن بهذه الوساطة والاستعداد للتجاوب معها.. وكل هذه الرافعات الاربع لم تتحقق كفاية لكي يقال ان الوساطة العراقية لها فرصة ان ترى النور.

 روسيا وعلى لسان الرئيس بوتن (سبوتنيك- 15/5) نأت عن التدخل بين الطرفين بقوله انه ابلغ الايرانيين بان «روسيا ليست فريق إطفاء ولا يمكنها أن تنقذ كل شيء، ما لم يعتمد عليها وحدها» وهذا التصريح يجب ان يُقرأ بجدية وتدقيق ومن خلال عملية تفكيك منهجي ذلك لأن موسكو تريد حصتها من أي جهد تبذله ويصب في صالح الولايات المتحدة في نهاية الامر، وليس بالضرورة ان تكون الحصة محسوبة بالواردات المالية المجردة، اذا ما عرفنا ان ملفات اوكرانيا واتفاقية الصواريخ وسباق التسلح والعقوبات والقضية السورية مطروحة للمساومة بين روسيا واميركيا في اية صفقة قد تُعقد بينهما.

على ان المراقبين للاحداث ينظرون بقلق الى التصعيد في مسارات المواجهة الاميركية الايرانية، في ميادين الاعلام والتعبئة العسكرية، ويؤشرون تصلب اللغة الدبلوماسية التي تعتمدها كل من طهران وواشنطن في ادارة الازمة، والاهم، حالة الترقب و»التفرج» التي تعم العالم ، والامم المتحدة بخاصة، حيال التهديدات المتبادلة، وكل ذلك يضع المبادرة العراقية للتوسط بين الطرفين في موضع الحرج، وشكوك النجاح قبل ان تتحرك خطوة واحدة.

من زاوية، فاننا نتمنى ان تجد الوساطة العراقية ترحيبا، ثم تجاوبا، ثم نجاحا في نزع فتيل التوتر.. لكننا نعرف انْ ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. 

**********

اديسون:

«لا يوجد شيء نستقبله بممانعة مثل النصيحة»

عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة