العراق يعود الى دوره الإقليمي ويصوغ مشروعا جديدا له في الشرق الأوسط

استقطب انظار العالم والجوار الإقليمي

جيمس بورن
ترجمة ـ سناء علي:

شكلت الاتفاقيات التي عقدتها البلاد مع دول الجوار، والزيارات العديدة التي قام بها قادة من مختلف دول العالم الى بغداد، مادة دسمة تناولوها في مقالات ودراسات، تضمنت ملامح التغيير في السياسة التي باتت تتبعها بغداد على المستويين الإقليمي والعربي، كان من بينهم المحلل السياسي جيمس بورن الذي نشر مقالة عبر موقع الفورين افيرس جاء فيها:
اغلب القمم التي كان العراق حاضرا فيها ومن ضمنها القمة الرباعية مع الاردن لا تبحث فقط عملية إنشاء ممرات للطاقة، وإنما جاءت في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، مع قرب نفاذ الفترة المعطاة للعراق في استثنائه من هذه العقوبات، ذلك أن الولايات المتحدة سوف لن تعطي استثناء آخر للعراق، سواء في موضوع الطاقة أو المواضيع الاقتصادية الأخرى، فملف الطاقة، ملف حساس بالنسبة للعراق، خصوصا وهو على أبواب فصل الصيف، والتي تعتبر حجة للعراق من أجل الحصول على استثناء من العقوبات على طهران، إضافة إلى ملف الغاز، كون المحطات التي تعمل في العراق، محطات غازية، وهذه القمة بمثابة فتح قنوات جديدة، بديلة لإيران، لكي لا يُخنق العراق بسبب تلك العقوبات، وبنفس الوقت صياغة لمشروع جديد في الشرق الأوسط. فهناك ابواب استثمارية ستفتح لهذه البلدان في العراق، كي تأخذ دورها بعمليات تسويق الغاز الذي سوف ينتج في العراق.”

  • عبر موقع الفورين افيرس

وعلى المستوى السياسي فلا شك في أن العراق يعد منذ سابق عهد التاريخ المفتاح الرئيسي لتحقيق التوازن الإقليمي في منطقة الشرق الاوسط ، وتكمن أهمية العراق في هذا المجال في أنه يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط الكبير، ويعد (الترموميتر) الرئيسي لقياس مدى استقرار المنطقة , كما يشكّل بوابة العرب الشرقية والمدخل الرئيسي لدول التماس الأولى مع الجانب العربي من ناحية الشرق (إيران) ومن ناحية الشمال (تركيا) , لطالما لعب دوراً مهماً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويؤثّر وضع العراق بما له من أهمية في المنطقة الممتدة من إيران وحتى مصر.
كما لا يمكن الانكار ان احتلال أميركا للعراق عام 2003 أطاح بميزان القوّة الذي كان قائماً بشكل من الأشكال في المنطقة. وعلى الرغم من هشاشة هذا التوازن نظراً لتآكل القدرات العراقية منذ عام 1990، إلا أن الوضع تدهور لصالح دول إقليمية أخرى بعد الاحتلال أبرزها إيران وتركيا وإسرائيل.
وإذا كان التفوق العسكري الإسرائيلي يخرج عن إطار حسابات توازن القوى الإقليمية بالمعنى التقليدي لحرص واشنطن الدائم على إبقاء إسرائيل على مسافة بعيدة عن منافسيها عبر ضمان ما يسمى التفوق العسكري النوعي لتل أبيب، فإن وضع العراق اليوم أوجد نوعاً من توازن القوى في القدرات العسكرية التقليدية بين إيران وتركيا وفجوة بين إيران ودول الخليج، مع تفوق إيراني ملحوظ على كافة الدول السابقة في مجال القدرات اللا-تناظرية وبناء الأذرع الإقليمية والدفاع عن البلاد خارج حدودها.
إذ ساهم سقوط العراق في إيجاد فراغ في المنطقة وأعطى المجال لقوى أخرى للبروز، ولأن العراق سيبقى ضعيفاً إلى فترة غير قصيرة بعد الانسحاب الأمريكي، ولأن مستقبل العراق السياسي غير محسوم بالنظر إلى القطيعة التي حدثت بين العراق الوطني القومي العروبي تاريخياً وبين المرحلة الحالية ، فإن التوازن في ميزان القوى في المشرق العربي يميل لصالح إيران وتركيا.
يتصور الكثيرون من المحللين الموقف الراهن في منطقة الشرق الأوسط بشكل مواجهة استراتيجية قابلة للإنفجار بين اسرائيل من جهة وبين ايران وحلفائها من جهة اخرى. وتفيد عدة تقويمات تحليلية ان توازن القوى الذي كان قائما في المنطقة في تسعينات القرن العشرين اصابه الخلل بعد الإنتفاضة الفلسطينية الثانية وفي اعقاب غزو القوات الإميركية للعراق.
فمن ذلك الحين بات من المستجدات بين العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط تطورُ القدرات الحربية السريع لدى ايران التي تعتبرها القيادة الإسرائيلية الحالية وبكل صراحة خطرا رئيسيا على المنطقة. وفي هذا السياق يكتسب صدى خصوصيا التعاون العسكري والفني بين روسيا وايران. وقد اكد السياسيون والعسكريون في اسرائيل والولايات المتحدة مرارا ان توازن القوى في الشرق الأوسط سيتعرض للخلل في حال استلام ايران لراجمات الصواريخ الجوية الروسية اس -300 ، الأمر الذي ينطوي على خطر نشوب نزاع حربي واسع النطاق. الا ان وجهة النظر هذه تقابَل بانتقادات كثيرة من جانب الذين يعتقدون بان توازن القوى في المنطقة قد تغير من زمن في صالح اسرائيل والولايات المتحدة. وهما الآن تخشيان من احتمال ضياع فرصة إملاء ارادتهما السياسية على دول المنطقة في ظل تنامي القدرات العسكرية الإيرانية. اما موسكو فهي بدورها لا تزال حتى الآن تتلكأ في تزويد ايران بمجمعات صواريخ اس -300المضادة للجو، على الرغم من ان هذا النوع من السلاح يعتبر تقليديا من الأسلحة الدفاعية ولا تشمله القيود الدولية بأية حال.
من هنا جاء دور العراق في اعادة لملمة تلك الاجزاء التي تبعثرت نتيجة تلك المناوشات الاقليمية , ليتحول الى نقطة ظهور مرة اخرى , تلعب في الوقت الحالي في توجيه الانظار لها من قبل دول اوروبا واميركا وحتى بعض الدول العربية كالسعودية التي كانت تجد في العراق منافسا اخر لوجودها في الشرق الاوسط كقطب سياسي مؤثر .


مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة