رواية قوس الرمل للولوة المنصوري (1)

عبد الغفار العطوي

تؤشر الرواية النسوية العربية لدى بعض كاتباتها الى إن استلهام الأسطرة من جوانب العلاقة بين المرأة و الرجل اكثر دلالة في فهم البنيات العميقة اللاشعورية التي تقف بين تأطير رؤية بعضهما البعض فالميل للأسطوريات يدلل على رغبة الكاتبات النسويات في الاتكاء على مساحة عريضة من التخيل الذي يقع بين الواقعي و التخيلي او بصورة ادق الانفتاح على عالميهما بتقنية مبتكرة في الما وراء القص الذي يجعل التقارب بينهما اوضح بسبب ان فكرة ذلك التقارب قائمة على ماهية الاكتشاف الجندري للمرأة في مجاهل الرجل و العكس صحيح، إذاً علينا ان نعاين تعريف ما هو ما وراء القص في السرد النسوي العربي، و ما تعريف الأسطرة إذا كان كل إشتغالها هو كشف العلاقة بين المرأة و الرجل كما يذهب رولان بارت حينما تكون الاسطوريات في الحياة اليومية، و الأثر النفسي اللاكاني فيما فعلته الروائية الإماراتية لولوة المنصوري في التقابل بين اللوغوس عنصر الإحياء و العقلانية و الإيروس عنصر الهدم و الحب المؤطر بالجنس، و لكي تبرر تقمصها للراوي و البطل بوصفه ذكراً ( فتى ) و الرواية ما بعد الحداثة اهتمت بخصيصة ما وراء القص واعتبرتها من تقنياتها اللازمة من حيث قدرتها على نسخ نص مواز ما وراء قصصي يتجاوز حدود السرد الى إنتاج خطاب يكشف عن الوعي الكتابي عند المبدعات ، و قد عرفت ليندا هوتشين ما وراء القص بأنه تلك الكتابات الادبية المرتبطة بظواهر ما بعد الحداثة (2) لولوة المنصوري في هذه الرواية و لجت المسافة التي تفصل بين السرد وما ورائه في عملية إثراء المشهدية المؤسطرة من بداية تبويب الرواية الى التقسيمات والمدونات التاريخية التي تبين العلائق الناهضة بين السرد و التاريخ و الخرافة ، اي من: الى (نمو) الى: لا بد للنهر ان يشهد ص165 و رواية ( قوس الرمل ) تتحمل عبء التوازن بين التاريخ و الخرافة و الاسطورة (3) لأن كل خارج من المألوف مهما كان مستواه و حدوده و عدم واقعيته يمكن ان يصنف في البعد الخرافي و الاسطوري و بهذا تمنح الرواية لنفسها و قارئها فرصة القفز على الممكنات المحدودة الى الممكنات غير المحدودة و تفتح آفاقاً لغير المتوقع، فمن الممكن ان تشحن الرواية التداخلات بين القص وما وراء القص على منصة تفتح عالمها على عالم الكاتبة ، لأن لولوة المنصوري تشحب في صورة ( الحاجة حليمة ) و الدود الذي اكلها و اكل جثة زوجها و ذهب الى المدن الصحراوية عالم الدود الذي يربط بين الماء في ارض الرافدين المتاخمة لصحراء الجزيرة وبين المدن الصحراوية التي محاها العطش ز قوض حضاراتها الخرافية ، و يتحول الماء المخلوط بالرمال الى دود و نفط يتصارع عليه زعماء القبائل، و يحفز العالم بأسره الى شن احتلالات لهذه الجزيرة النائية المتاحة لعالم الاساطير كأرم القديمة والحكايات التي يتناقلها الاب والابن، لكن الكاتبة هنا لا يعنيها سوى تصور الهيمنة الابوية في عالم الصحراء الرهيب، كأنما هي تتصرف كالمرأة في الالوهة المؤنثة )4) تحتاج في صهر عدم التجانس بين الانوثة و الذكورة، لذا الكاتبة في ما واء القص تلجأ الى تحويل العالم المؤسطر الغائص في الصحراء الى مجرد اسطوريات تليق بالحياة اليومية (5) لهذا تزدحم الرواية بذاكرة الكاتبة الخصبة، و هي اي
الروائية لولوة المنصوري من دولة الإمارات، والبنيات اللاواعية في ثقافتها مهما استعانت بالمدنية تظل تشتغل على العلاقة بين اللوغوس و الإيروس بحكم البنائية الصحراوية للوعي الجمعي او الاب الرمزي في مفهوم جاك لاكان الذي هو ليس كيانا واقعيا بل هو موقع انه وظيفة و لهذا فانه مواز لما يعرف ب الوظيفة الابوية هذه الوظيفة هي فرض ال قانون و ضبط الرغبة في عقدة اوديب (6) و يعني هذا ان الكتابة عندها في رواية ( قوس الرمل ) هي رسم مخططات علائقية بين الابوية المهيمنة الدالة على الرغبة اللا مكانية و بين كونها اي الكاتبة انثى ، و للتخلص من عمق الإرث الابوي تحللت لولوة المنصوري من الإخصاء الانثوي الى الاستدامة الذكورية عن طريق سلسلة من التحولات الجينالوجية: من كون عملها الروائي هذا يرتكز على منصات هي في الاساس فحولية ، من باب عقد المواجهة بين الذكر و الانثى، قبالة اللوغوس الذي يتولى إفناء كل ما هو انثوي والإيروس الذي يستعيد مقومات المرأة- الانثى في استدراج العالم الروائي للولوة المنصوي الى باحات الاسطرة والإيحاءات الرمزية، بدء بتقمص الكاتبة صوت الذكر، و بذلك في هذا التخلي الطوعي لخصوصيتها الانثوية تخصي الكتابة الانثوية ، و تحولها الى طاعة عمياء لفحولة الرجل الورقي، والتحول بالاسطرة في الرواية من منصات الرمزيات العالية كما في المدونات السومرية و اليوتيوبات الرملية الى احتفاء زعماء البدو بلعبة الختان ، أي الاسطرة باليوميات الرولانبارتية( رولان بارت) هي من اجل المواجهة بين المرأة المخصية ( في إنفعالية الكاتبة ) و الرجل المدجن( في فاعلية الراوي الفتى) والرواية النسوية العربية تحرص على المواجهة بين الجنسين مقابل إشعار ان اصل الصراع بينهما عاطفي عقلاني، لولوة جاهدت في ان تضع مزايا الرواية قبالة التاريخ، والمدونة في مواجهة التدوين ، مثلما قامت بتصنيف العالم الواقعي والتخيلي والكتابة و ماخارج الكتابة وسلسلة من الثنائيات الاعتبارية كي تبين الفرق بين ما تراه الانثى الكاتبة و ما يدركه القارئ الذكر.

إحالات :
1 – قوس الرمل رواية لولوة المنصوري دار العين للنشر الطبعة الاولى 2017
2 – السرد النسوي العربي من حبكة الحدث الى حبكة الشخصية د – عبد الرحيم وهابي دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع عمان الطبعة الاولى 2017 ص 163
3 – قراءة على هوامش السرد مساهمة في إنشاء المعرفة الروائية د – منذر عياشي دار نينوى دمشق الطبعة الاولى 2017 ص 132-133
4 – المرأة والالوهة المؤنثة في حضارات وادي الرافدين ميادة كيالي الناشر المركز الثقافي العربي المغرب -الدار البيضاء الطبعة الاولى 2015ص 36
5 – اسطوريات اساطير الحياة اليومية رولان بارت ترجمة د – قاسم المقداد دار نينوى دمشق الطبعة الاولى 2012 ص 15 عالم المصارعة يشبه عالم الصراع بين المرأة والرجل وبالتالي بين اللوغوس و الايروس
6 – معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي اللاكانية ديلان ايفانس ترجمة د – هشام روحانا دار نينوى دمشق الطبعة الازلى 2016 ص 40

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة