حاول الناقد وجدان عبد العزيز في كتابه الجديد أن يصل الى فحوى ومعنى تجربة القاص العراقي علي السباعي التي هيمنت على سردياته الموضوعة التأريخية وهو ما دفعه لتسمية كتابه النقدي بعنوان (ويلات الزاماما في سرديات القاص علي السباعي) الصادر عن دار فضاءات الأردنية 2016ويقع بنحو 110 صفحة من القطع الكبير.. عادا في كتابه الذي نحت عنوانه بما معناه في التأريخ القديم إنها الحرب
علي لفته سعيد
ان مهيمنة المدونة التاريخية ترافقه وتتداخل مع رؤاه خاصة وان الاثنين ينحدران من محافظة واحدة وهي ذي قار السومرية وقد لاحظ الناقد عبد العزيز ان السباعي يحاول اثبات علاقته مع مدينته الناصرية ( مركز محافظة ذي قار ) فكانت مخططاته الكتابية ترتكز على نقطة انطلاقية تنمو وتترعرع داخل محور المدونة التاريخية باعتبار التاريخ مدونة تراثية و(التراث بالنسبة للقصة، عالم مليء بالدهشة والانبهار المألوف والغريب، الاسطورة والواقع ، الحياة والموت، وهنا فالارتكاز ليس لذاته، وقد ابحر عبد العزيز في تجربة السباعي وهو يقشر الارتكاز التاريخي كونه مشروطا بالانحياز لما هو حي ودينامكي من التراث ، وبعبارة اخرى أن الارتكاز في هذه الحالة محكوم بوعي وادراك سابقين ويتطلب من القاص التفاعل وليس التعاطف وكذلك التمييز وليس الاندماج والتفرد وليس الذوبان في التعامل الجدلي مع التراث) وهذه العملية لاشك انها بحاجة الى ذهنية حية قادرة «فعلا» على اغناء وتعميق الواقع الحاضر بالموروث الحسي والنفسي والاجتماعي من خلال حركة الجدل الانساني ـ وبالتالي هي عملية احياء ديناميكية بين حدث ملغي سابقا في ضوء حدث قائم بذاته المعاصرة
كتاب عبد العزيز يبدا بمقدمة تمهيدية عنونها (اشكالية العلاقة بين الكاتب والناقد ) عادا الناقد يواجه مشكلتين الاولى النص والثانية الآخر والعلاقة بين الاثنين تكتنفها اخلاقية العمل النقدي والالتزام بها من جهة والجهة الاخرى المبدع ومدى تقبله للرأي النقدي ويشير في مقدمته الى ان هناك بحرا من الطوافان وتعدد المناهج النقدية الحديثة وتفرعاتها التي تحيل الى تعدد القراءات وتعدد الذائقة الجمعية وهذا الامر تطلب من الناقد دراسة قضية انفتاح العالم على بعضه من خلال تعدد وسائل الاتصالات في ظل العولمة الثقافية تخلصا من الذاتية. ويقول ايضا بعد ان يدخل في مقولات نقاد عالميين ان القصة القصيرة كيان عائم في فضاء الثقافة وأن القصة القصيرة تحيد عن تلك الضرورة وتقفز عبر اشكالها الى الحاضر، وبما انها جنس قائم في الصيرورة التأريخية، فهي اذن تنهض على فهم رؤيوي للدوافع والمبادئ والمتغيرات، وتستقي منها ، وتتأثر بها ، ولا تعتاش على صنمية النوع ، ولا تاريخية المعطى الثقافي.. ويبدا عبد العزيز بتقشير تجربة السباعي باحثا عن هوية وموقف من خلال تلمس رؤيته الرافضة التي تبلورت عبر الواقع والمتخيل الذي اطر كتاباته وجعلها تستثمر المهيمنة التاريخية.
والكتاب فيه عددا من الفصول الاول وحمل عنوان (المهيمنة التاريخية في سرديات علي السباعي) وضم عدة عناوين : (تداخل الرؤى)، و(تعاضد التجارب الذاتية مع الواقع) ، و(تعاضد التجربة الادبية مع الخزين الحضاري) ، ثم كان الفصل الثاني (علي السباعي.. التخيل وصراع الواقع)، وضم عدة عناوين: (وحدة الوجود عند السباعي) و(الفنتازيا والحصار) و(تجسيم الرؤية الرافضة)، و(قطام واحتجاج الكاتب)، (الاتصال الانساني من خلال الرؤى)، و(السخرية اسلوب لاقتناص لحظات معينة)، و(رسم لوحة بالدم) .. وتلاها الفصل الثالث (الكاتب علي السباعي لا يموت في قصصه)، وضم عدة عناوين هي : (الضياع والبحث عن الهوية) ، و(ظهور قطبي الحياة)،و(اسرار الحكاية والبؤر النصية)،و(انسنة الاشياء اقنعة للتصريح بالمعنى)، و(صراع عالم الواقعي مع العالم الغرائبي)، واخيرا الفصل الرابع (تنوع سرديات السباعي)، وضم عدة عناوين هي (تأصيل الرؤية الرافضة)، و(ويلاه الحرب)، و(تعدد الحصارات)، و(بنى مجتمعية مرفوضة)، و(سقط الطاغية).. وضم الكتاب ملحق: (التجليات الايروتيكية في سرديات السباعي)
ويرى عبد العزيز إن السباعي لازال يعمق تجربته في عالم السرديات من خلال مهيمنة المدونة التاريخية التي ترافقه وتتداخل مع رؤاه، ويحاول اثبات علاقته مع مدينته الناصرية، لذا كانت مخططاته الكتابية ترتكز على نقطة انطلاقية، تنمو وتترعرع داخل محور المدونة التاريخية باعتبار التاريخ مدونة تراثية مثلما يراه ممسكا بناصية العمل السردي ويوجهه باستثمار التناصات مع التاريخ وبحركة حية وواعية كي يؤسس لأفكاره ويجسد اهدافه بادراك.. مستدركا ان هذا لا يعني اننا نرد ابداع السباعي لهيمنة المدونة التاريخية فحسب، فــ(ان رد الابداع الفني والادبي الى عوامل محددة بعينها، لا يستطيع ان يكون تفسيرا مقنعا، كأن نرد ابداع ابي العلاء الى عماه ـ كما عمى ملتون وطه حسين، او ابداع بتهوفن الى صممه، او عبقرية هيدلرن الى جنونه او روائع بودلير الى ادمانه على الافيون) بل انه يقول عن السباعي وقد عاشره وخبر تجربته انه (اديب صاحب رسالة تدخل ضمن مشروع الجماعة الثقافي وتمتاز تجربته، انها رحبة تستوعب ما هو متغير وثابت، كما هي تمظهراته الايروتيكية التي كانت خير تعبير عما تحاصره التابوات الدينية والاجتماعية وقبلها كانت التابوات السياسية ابان حكم الدكتاتورية.
ويبحر عبد العزيز في كتابه حين يأخذ نماذج من تجارب السباعي القصصية كقصص(فرائس بثياب الفرح) و(سيوف خشبية) وكذلك (زليخات يوسف) فضلا عن (مريم البلقاء) وقصة (مومياء البهلول) و(وساخات ادم) وقصة (وتبقى قطام) إضافة الى (الجذر التربيعي للقمر) وكذلك قصة (الزاماما) التي تعني الحرب وأخذ الكتاب عنوانه و (بكاء الغربان) وغيرها من القصص التي تناولها نقدا وتحليلا مرتبطا بالعنونة . ويمضي عبدالعزيز قائلا: (إن الأدب العراقي مقبل على إنتاج فكري حداثوي يمكث في حوار الآخر طويلا ويستقر في الحضارة الإنسانية من خلال عولمة الفكر بشرط دالة الاصالة وخصوصية المنبع) ليصل الى نتيجة ان بعض قصصه اتخذت من السرد الذاتي اسلوبا لها وكذلك السرد الموضوعي.
وان الكاتب لديه المقصدية في صناعة الحدث والموقف من خلال اعتماده في معظم قصصه على اسلوب السرد الموضوعي والمقصدية في معالجة موضوعاته.. كاشفا ان مدونة الحرب لم تغب عن تجربة السباعي( ان موضوعة الحرب ذات تأثير يخرج عن كونه ذاتي بحت….. وكل الأطراف خاسرة في الحروب حتى المنتصرة ترهقها تكاليفها وتحكيم العقل يجنب الدول خوض الحروب ويمكنها من حل النزاعات بالطرق السلمية) وان قصص الحرب لدى السباعي كما يرى عبد العزيز محاولة من رسم مشهدية ويلاتها من خلال الاسطرة والغرائبية والسخرية.. وكانت في بداية مدونة الحرب الصرخة الاولى في وجه الحرب الكالح تلك القصة القصيرة جدا.. مثلما لا تغب موضوعة الحصار حيث يرى ان الكاتب (انشغل في رسم معالم الاثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية للحصار، والحقيقة ان الشخصية العراقية تعرضت لحصارات متعددة صورها لنا السباعي باخصر الكلمات وترك الباب مفتوحا للذهنية المتلقية تكملة المشهدية ) وان السباعي يحاول ان يؤكد تجربته (بين العنونة والضربة الاخيرة اختبأت الكثير من التأويلات).
من جهة أخرى يرى عبد العزيز ان سرديات السباعي فيها تجليات ايروتيكية انطلاقاً من جذره العربي الذي يعني التنظيم وصولاً إلى المفاهيم الحديثة. وهي غير الايروتيكية الاباحية (الذي يظهر الجسد كوجود سالب، مفرغ من علاماته وارتباطاته بفضائه أو الفضاء المجاور له.
وفي خاتمة الكتاب يصل عبد العزيز الى ان الرؤية الرافضة التي طرحها السباعي في مجمل سردياته كانت لكونه كان قلقا متصاعدا في اجتراح فلسفته الرافضة لواقع الحروب ونتائجها ولذا كان يتعكز كثيرا على المدونة التاريخية ومحاولة التماهي معها كي يتخفى بأقنعتها من الحصارات المتعددة التي عاناها بكل مراراتها وآلامها ، ورغم قلقه الا ان سردياته تحمل تلقائية التعبير وقد عاش السباعي صراع الوجود( متخذا اللغة الادبية كلغة مفارقة تستبدل الصفات الساكنة بالصفات الاشارية والتي يضعها في نسيج لغوي فيه بعض الغموض) وبهذا فان قصص علي السباعي تمارس فعل التحول من الخارج الى الداخل ومن الواقع البراني الى الواقع الجواني ومن الموضوع الى الذات…