وجهي بصراوي من سومر

كاظم الحجاج

أمطار البصرة – سبحان الله، كما الجُدريّ ـ تُنقر وجهَ النهر… هنا، في البصرة، نحن نقول: الدنيا تمطر! لاحظْ ! كل الدنيا نعني! لكنْ. تبتدئ الأمطار هنا من غيمة حزن سوداء، الدمعة، أعني الأولى لا تسقط إلا خجلى، مثل حزين خجلانَ.. هنا، في البصرة، لا يبكي رجلٌ قدّام الناس.. بلى. قد تبكي أمٌ علناً.. لا لومَ على أمّ، عادوا ببنيها ملفوفين بأعلام الدولة، أو ملفوفين بأعلام الأحزاب الآن!..
وقد تبكي أختُ، عادوا بأخيها (عبدِ المعبود).. بلا رأس! أو عادوا بأخيها.. (عبد العبّاس)، الأسماء هنا، في البصرة، لا تعني شيئاً؛ فلديّ صديق يدعى (هادي)- والاسم هنا بين هلالين-ولكنْ. هادي هذا ، فوّار مثل تنانير الأرياف، (جميلةُ)، جارتنا، أقبح من تمساحٍ ! وأنا (كاظُم)، أعني. اسمي. لا أكظم شيئاً، حتى ضد امرأتي! و(المجلسُ).. لايجلس، إلا حين يسافرُ نُواب الشعب.. إلى عَمّـان!.. إلى أين ذهبتُ؟!.. أنا أعني: عادوا بأخيها (عبد المعبود).. بلا رأس. تدري؛ في الجبهة -لا عادت أيّام الجبهة!- قد ينسى جنديٌّ كل الأشياء هناك؛ بما فيها.. الرأس!.. وقد كانت نائمةٌ من هَمّ البيت، فلم يوقظها (عبدُ المعبودِ).. مشى للجبهة سّراً هذي المرّة، في الفجرِ.. وكانت تمطر.. أعني كلّ الدنيا، والأخت إلى الآن – وقد صارت في الخمسين.. تخرمش خديها: يا (عبد المعبود) لماذا لم توقظ أختك؟!.. للآن المطر الجدريّ ينقر خديها. والدنيا. كل الدنيا. تبكي.. حتى النهران التقيا في رأس البصرة، من (شجرة آدمَ)، كل دموع النهرين تصبّ هنا. وأنا – استغفر ربي من قول أنا- أعني: أنّي بصراويٌّ من (سومر) – حمداً لله- ووجهي من طِين الزقورة. والطين يُداس. بلى. لكنْ. من دون اهانات!.. حتى يتخمر بالتبن. وقد كان الأجداد يدوسون الطين مع التبن، – كما نرقص نحن الأحفادَ الآنَ-، فنحن البصريين اعتدنا أن نرقص فرحانينَ، ونرقص فوق الطين، ونرقص مقهورينَ- كما الافريقيّون-. ونرقص مذبوحين، كما من عشر سنينِ.. عيبُ البصريين الأصلاء؛ الطبل يخربط مشيتنا!.. لا بصريَّ أصيل، يمشي (محترماً) والطبلُ يدقُّ.. (أفا!!).. فالبصريّ خفيف القلب، خفيف الرجلين. أنا أعني: أرجلنا ملكٌ للطبّالين اسأل (سعد اليابس!).. أو فاسأل (تومانُ). لماذا (تومانُ)؟ أليست جدتنا (رابعةُ العدوّية)، كانت راقصة، رجلاها ملكٌ للطبّالين؟
ولكنْ. لم يقتلها أحدٌ.. ما كان هناك رعاعٌ مثل اليوم، ولا تكفيريّون. وما كانت رشّاشات مثل اليوم، (الرشاشات)- بأيّام (الجاحظ) يرحمه الله ويرعاه!- زجاجات من (جيرانستان) ترشّ العِطر وماء الورد.. وما كان الجيرانستانيّون، يسدون الماء عن البصرة، مثل الآن!.. انظرْ. أين ذهبتُ؟!.. أنا أعني: كانت (رابعةُ العدوية) جدّتُنا، راقصةً.. لكن لم يقتلْها توّاب من توّابي (شارع بشَّار)، (هنا في البصرة).. لا أعني بشّار الشام!. ولم يقتلها (إخوانيُّ)، لا إخوانَ له!.. حتى امتدَّ بها العمر، فصارت (عذراء البصرة).. جاءت (رابعةُ) المسكينة، بعد ثلاث بنات.. من حُسن الحظ؛ البصرةُ ما كانت تئد الأنثى، مثل قريشِ ِ سادتنا، بعد الإسلام وقبل الإسلام!، ولا تمنع أنثى -أعني البصرةَ- مثل (المملكةِ) الآن.. أنا أعني: البصرةُ لا تمنع أماً أن تركب ناقتها، أو تركب سيارتها من دون حفيدٍ ذكرٍ (مُحرم!)… انظر! أين ذهبتُُ؟! أنا أعني. جاءت (رابعةٌ) بعد ثلاث بنات. أعني. جاءت رقماً، لا اسماً.. حتى أن (الإخوان) المصريين الآن يضمون الإبهام لكي تبقى (رابعةٌ) رابعة بين أصابعهم لا أكثر.. أو أن الرقم يشير إلى الرؤساء المصريين ثلاثتهم، والى رابعهم-.. لا أعني فتيانَ الكهف مع الكلب!.. أنا أعني رابعهم.. (مرسي)!.
أين ذهبت؟! أنا أعني. لا شأن لنا بالإخوان المصريين ولا بالمصريين (الإخوان)!.. ونحن لدينا هذا الكمُّ وهذا الهمُّ من (الإخوان) النوّاب .. أنا أعني نوّاب الأحزاب. لا نواب الشعب… لدينا شعبٌ لا نوّاب له!.. حتى الكتلُ الكبرى، ليست من طين حريّ، ليست من طين الزقورات الممزوج مع التبن.. لدينا تبن، لا غيرَ..! إلى أين ذهبتُ ؟! .. إلى أين ذهبت؟!.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة