مزاد الكتب في النجف الاشرف

-1-
النجف الأشرف – كما هو معلوم – مدينة تشرفت بمثوى أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب – عليه السلام-فيها، ومن بركاته اصبحت تضم واحدة من أعرق جامعات العالم الدينية، تلك هي جامعة النجف الاشرف مصنع الفقهاء والمحققين، ومجمع العلماء والأدباء والمفكرين والنابهين.
-2-
ان العناية بالكتاب والاقبال عليه هي من أبرز سمات أهل العلم والفضل، ولكنّ ضيق ذات اليد والظروف المالية الصعبة التي كان يعيشها معظم الاساتذة والطلاب في جامعة النجف الاشرف كان تحول بينهم وبين ما يريدون!
وهناك استثناءات يقف في طليعتها الميراث الذي قد يحوّل مكتبةً عامرة بمخطوطاتها ومطبوعاتها الى وريث مُمْلِق!
كما أن هناك بعض الأُسر والشخصيات لها من الموارد المالية ما يُمكِّنُها من اقتناء ما تريد من المصادر والكتب دون عناء، حيث لا تعاني من شحة السيولة.
-3-
وقد تشرفت بالالتحاق بالحوزة العلمية في النجف الاشرف عام 1387 هـ / 1967 – اي قبل 52 عاماً –، وكانت هناك (قيصرية) في مدخل سوق الحويش، المقابل لباب القبلة – تسمّى (قيصرية علي أغا) تضم العديد من المكتبات التي تتعاطى بيع وشراء الكتاب.
وفي صَدْر تلك القيصرية المكتبةُ الحيدريةُ لصاحبها المرحوم محمد كاظم الكتبي، والذي كان يُقيم مزاداً لبيع الكتب يوم الجمعة من كل اسبوع، هو الأشهر والأكبر.
وكان يجتمع لفيف من هُواة اقتناء الكتب، والباحثين عن كُتب مفقودة من الاسواق، أو موجودة ولكنها غالية الثمن، أملاً في الحصول على ما يريدون.
ويبدأ المرحوم محمد كاظم الكتبي في عرض الكُتب المطلوب بيعُها كتاباً كتابا، وتبدأ بالتزامن مع ذلك الزيادات التي يلّوح بها الراغبون بالكتاب، والتي تشتد أحيانا فتبلغ بالكتاب رقماً يزيد على سعره الواقعي، ليرسو في نهاية الأمر على من كان أكبر الدافعين …
وهرباً من تبعات نقصان صفحات من الكتاب أو أيِعيبٍ آخر فيه كان الكتبي يصيح:
(أبيع سَقَطاً عديماً)
اي أني أبيع هذا الكتاب مُتَبَرِءً من كلّ العيوب، لكيلا يثبت للمشتري (خيار العيب).
وقد تُعرض في المزاد مكتبات مهمة مات أصحابها، وليس لهم من الوّراث من يعنون بالكتب!
كما تُعرض غالباً مكتباتُ علماء أو أدباء للبيع يُبيعون كتبهم لتسديد ما تراكم عليهم من ديون، أو لغرض آخر!
وكان بمقدور مَنْ يواظب على حضور هذا المزاد الاسبوعي – حتى مع ضعف الامكانات المالية – أنْيحصل على بعض النفائس والاثار النادرة…
المفاجاءات الغريبة
وتقع أحيانا – وعن غير قصد – مفاجآت غريبة.
ومن أمثلة ذلك ما وقع للدكتور الراحل محمد حسين الأعرجي – يوم كان طالباً يُعد بحثاً لنيل درجة الماجستير -وهو بأمس الحاجة الى كتاب معجم الادباء، وقد عُرض في المزاد وأتفق أنَّ المرحوم السيد حسين الرفيعي سادن الروضة الحيدرية – كان موجوداً أيضاً وبَدَأَ يزيد في سعر الكتاب مرّة بعد مرّة حتى رسا عليه، وحُرم الأعرجي من فرصة اقتنائه.
ثم انّ السيد الرفيعي أُخبر بحاجة الأعرجي الى الكتاب، فما كان منه الاّ أن أرسل الكتاب في (صندوق خاص) وبعثه هديةً منه الى الاعرجي، الذي انسابت من عينه دمعةُ الفرح حين تسلّم الهدية شاكراً.
وهنا يبرز العامل الأخلاقي لينتزع منّا التقدير والاكبار لصنيعِ الراحل السيد حسين الرفيعي الذي بادر الى اهداء الكتاب للسيد الاعرجي بمجرد اطلاعه على حاجته اليه ورغبته الشديدة في اقتنائه.
انه الايثار، ممزوجاً بكرم النفس والمروءة، والرغبة في تيسير الأمور لأصحاب البحوث والدراسات، تقديراً للعلم والأدب.
وهنا تكمن العظة.
اننا اليوم بحاجة ماسة الى تحطيم حواجز الأنانية والنرجسية والعبور الى الضفة الاخرى، حيث الصدر الواسع، والأفق الرحب، وتجاوز المصلحة الشخصية، والاحساس بمعاناة الآخرين، والتصدي لاشباع حاجاتهم، وبمثل هذه الروح يمكن ان ينعم المجتمع بالاستقرار النفسي، والتكافل الاجتماعي، وهما ركنان اساسيان من اركان المجتمع السعيد.
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة