حياة العلامة.. حفر معرفي أنساق الثقافة الشعبية

نصير الشيخ

يمهر الصديق الشاعر والناقد ماجد الحسن بإهداء جميل لي على صفحات كتابه الجديد ((حياة العلامة /محاولة لأدراك انساق الثقافة الشعبية)) والصادر عن دار امل الجديدة/ سوريا، وبواقع (263) صفحة من القطع المتوسط…والكتاب حفر معرفي لأشياء ووقائع وأمكنة تصادفنا وتسير معنا، لكنها تفلت من القبض عليها وكأنها خارج انظارنا، الا العين الثاقبة والوعي الحصيف قادران على التقاط أنساقهما وتدوين جزئياتهما، كي تأخذ حيزها الفاعل في الذاكرة والثقافة والتاريخ.
هكذا يبتدأ الحسن كتابه الى ((بيان المنطق الثقافي في الفعل الاجتماعي، وذلك عن طريق بيان كنه العلامة، وان هذه المحاولة لاتدعي الأحاطة بكل الخطاب الاجتماعي بقدر ماتشير الى اثاره ونتاجاته)) ص5.
واشتمل الكتاب على تمهيد وخمسة مباحث، بث في التمهيد مجموعة اسئلة مبينا فيها اسباب ربط العلامة بالثقافة، وان الجمع بينهما هو المدخل الى فهم حياة الناس والكشف عن رموزها ودلالاتها.
وجاء في المبحث الأول ((نص الزي)) مستقرئ المؤلف فيه الأنظمة العلاماتية في الأزياء الريفية لانوجادها تاريخيا في مجتمعاتنا الجنوبية، مكتشفا تركيبتها لغرض الإمساك بالمنظومة العلاماتية لكل جزء منها.مؤكدا ان الأزياء بتشكيلاتها وانواعها وتراكيبها هي جزء عضوي ومهم من الثقافة الشعبية مشكلة فيما بعد وسيلة اتصال يمكن ان تقول الكثير عن لابسيها ،متقصيا دلالات كل موسم مع وصف كل فئة اجتماعية داخل المجتمع الريفي.
((ثقافة الميديا..تأملات سيمائية في صورة مدرسية))، عنوان المبحث الثاني من الكتاب، يرى المؤلف فيه ان (الصورة الفوتوغرافية نتاج فني يترجم واقعا لايمكن ان يكون خارج حدود الإدراك، لذا فهي تحتفظ بتأثيرها في الإنسان)..من هنا تكون الصورة عبارة عن تجليات لأزمنة عابقة بالذكريات لكنها تحتفظ بطزاجة لحظتها المؤثرة،ولها لغتها الخاصة المعبرة عن حدود التصور الاجتماعي لكونها تعبرعن ثقافة شعبية تتعلق مرجعياتها بالواقع.
ولغرض الخوض إجرائيا لقراءة حياة العلامة وانساقها الثقافية،جاء المبحث الثالث تحت عنوان ((سيمياء المدينة،مدينة العمارة انموذجا))،باعتباران خطاب المدينة له لغته،مما يدفعنا لمعاينته معاينة سيمائية،ذلك ان المدينة لم تكن مكانا له ابعاده ومقاساته فحسب،بل هي نص ومن البديهي يراد لهذا النص قراءة ما نحلل عن طريقها ونؤؤل،أي قراءة تقودنا الى روح لمدينة /النص. وما عينة اختبار المؤلف في كتابه هذا حياة العلامة لمدينتهِ (العمارة) الا لأعتبارات تتمثل في وجود ثقافتين: ثقافة تقليدية،وأخرى تحاول تقويض بعض من اركانها،مما يعني ان هناك تناغما بين الثقافة والمسعى الاجتماعي.
البحث والتنقيب عن الأمكنة التي تشكل علامة تشي بدلالاتها وإيحاءاتها الثقافية،هوما حمله عنوان ((نص المقهى/علامة الهيمنة الذكورية)) والذي شكل المبحث الرابع من هذا السفر الكتابي الماتع الذي اجاد فيه فكر ماجد الحسن وقلمه في تقصي وكشف واكتشاف وتحليل البنيات المجتمعية وكشط اتربة الزمن من عليها،ومن ثم ضخ روح جديد فيها بفعل الإشارات النصية وادوات التحليل التي استضاءت بالمنهجية الغربية في التحليل والتفكيك وبنى النص الثاوية.
من هنا يرى الحسن ان ((البحث عن بنية مكانية محددة ومعلومة هو بمجمله البحث عن طبيعة الثقافة الشعبية التي استطاعت ان تنشأ العلامات مقرونة بممارسة تنبثق منها، ويشكل (المقهى) مكانا يكشف عن طبيعة العلامات والتي تكشف بدورها عن طبيعة الهيمنة الذكورية.ذلك ام المقهى يحتل أهمية كبيرة في حياتنا وتصوراتنا، ومن هذا التصور نرصد حقيقة مفادها ان هناك تنوعا في المقاهي حسب التنوع الاجتماعي، ليقودنا المبحث الى خلاصة الى ان المقهى ك(نص) هي جزء من المؤسسة الاجتماعية جاءت اثر تعاقد اجتماعي بين الأنسان والمكان.
اما المبحث الخامس والاخير في هذا الكتاب فقد جاء بعنوان ((سيمياء التسمية/الرهان القصدي للعلامة)) رصد فيه المؤلف اسم (العلم) كمعيار لتحديد هوية الإنسان والتي هي بدورها مؤشر تبين فيه طبيعة شخصيته.متتبعا خيط العلائق النصية والاجتماعية عبر سياقها التاريخي واللغوي بمعنى ((ان وراء التسمية انماطا قصدية تحقق للمسمى كيانه، ونتبين عن طريقها سلوكه،ولأن مطلق التسمية له حرية الأختياروالتعيين)).
كتاب (حياة العلامة /محاولة لأدراك انساق الثقافة الشعبية) للمؤلف ماجد الحسن، حفر معرفي جاد في أرض تترامى امامنا،استطاع وبمسباره النقدي وبرؤيته المكلله بآليات تحليل الخطاب ان يدلنا الى مثابات هامة في حياتنا المعاشة، لها من الأهمية الكثيروبما تمثله من (حقل معرفي) يمكن قرائته ومعاينته ك (ظاهرة ثقافية) ومن ثم فرز مكوناتها وسياقاتها الاجتماعية،وبالتالي تكون لنا بما اسماه (فلسفة الثقافة الشعبية).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة