الشهر الأول من السنة المالية للعام 2018 يقترب من نهايته ولم يوفق (الإخوة- الأعداء) في مجلس النوّاب العراقي في إقرار قانون الموازنة العامة، الذي من المفترض إقراره قبل أشهر استعداداً للعام الجديد. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى أن البرلمان الحالي لم يتبق من عمره إلا القليل (أقل من أربعة أشهر) ومن الممكن أن يقتفي أثر البرلمان السابق، والذي ترك هذه المهمة لورثته الحاليين الذين أكملوا العام 2014 من دون موازنة، أي أن يصبح ذلك تقليداً لكل دورة انتخابية تجعل من ذلك تتويجاً لمشوارها في قيادة أعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد. وزارة المالية ولأجل تفادي عواقب ذلك أصدرت إعماماً يقضي بصلاحية الصرف بنسبة 12/1 للشهر هذا الإعمام يمكن أن يستمر مع الأشهر المقبلة بوصفه عطابة مجربة لمثل هذه الحالات. من خلال متابعة ما يجري مع قانون الموازنة العامة كل عام تقريباً، وكيفية تعاطي الكتل السياسية المتنفذة مع هذا القانون، الذي يرسم ملامح الحياة في الدولة والمجتمع؛ يمكن التعرف على بعض من طلاسم المشهد الراهن. غالبيتهم ينظرون الى الموازنة العامة بوصفها “خرجية” لتمويل مشاريعهم الفئوية و”المكوناتية” الضيقة، وهذا ما نلمسه بشكل واضح، من خلال خطاباتهم وذرائعهم في إعادة مشروع قانون الموازنة وتعطيل إقراره بشكل متكرر، عبر تقنية “انعدام النصاب” وغيرها من الطرائق والسبل، التي تؤمن لهم، عند نهاية الماراثون؛ حصصهم من غنائم الرزق الريعي. إن تحول أحد أهم القوانين الذي يرسم مصائر الدول (الموازنة العامة)؛ الى مجرد “خرجية” لتصريف أمور وحاجات ورغبات الكتل المتنفذة؛ يؤكد على ضرورة البحث عن حلول ومعالجات جذرية بعيداً عن هذه الطبقة السياسية وشراهتها التي حولت أجمل ما هدهدنا من مشاريع وتطلعات للحاضر والمستقبل الى سلسلة ممتدة من الكوابيس. يقول السيد عادل عبدالمهدي وزير النفط السابق؛ “إن موازنات العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم بلغت ما مقداره 850 مليار دولار، لكن الفساد جعل مهمة الاستفادة منها مهمة شبه مستحيلة”. لم يتم التفريط بكل هذه الثروات الهائلة وحسب، بل أوجدت هذه الطبقة السياسية من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء؛ أوضاعاً غاية في التعقيد للأجيال المقبلة، حيث جعلت من مهمة النهوض بأوضاعها عسيرة جداً، لا سيما بعد أن أثقلت مؤسسات الدولة بأعداد هائلة من الموظفين لا على أساس الحاجة والمعايير المهنية للتوظيف، بل لأسباب سياسية وعقائدية وانتخابية وانتهازية؛ جعلت منها معيقاً شديد الفاعلية لإجهاض أية محاولة لإعادة الروح والعافية للدولة والمجتمع. من دون أدنى شك وضمن المناخات والاصطفافات الحالية؛ لا يمكن انتظار أدنى تحول نوعي في مجال السياسة الاقتصادية وقانونها الأساس (الموازنة العامة). ومن خلال تتبع خارطة التحالفات السياسية والجيش الجرار من الأحزاب المشاركة في الانتخابات المقبلة (المقرر إجراؤها في 12/ آيار من العام الجاري) فإن “الخرجية العامة” ستستمر في التدحرج الى حيث المنخفضات المحددة لها سلفاً. لقد عبّر سكان مدينة السليمانية وعدد من مدن إقليم كوردستان؛ عن وعي متقدم في احتجاجاتهم الأخيرة، عندما طالبوا بإنهاء 26 عاماً من اللصوصية ونهب الموازنات، فمن دون إبعاد الفاسدين والمتخلفين واللصوص عن الثروة والسلطة، لا في أربيل والسليمانية وحسب بل في العاصمة الاتحادية بغداد وبقية المدن والمناطق العراقية المنكوبة؛ لن نحظى بموازنة تلتفت لآمـال العراقييـن وتطلعاتهـم المشروعـة..
جمال جصاني
الخرجية العامة
التعليقات مغلقة