عطش البصرة وغرق الأحزاب

معنى ان مدينة تطفو على بحار من الذهب الأسود ويلتقي فيها نهران كبيران، ويشكلان نهرا أكبر حجما، تعاني من العطش او تعاني من تلوث كبير وخطير في مياه الشرب، معناه ان هنالك فئة صغيرة تغرق بالمقابل، تغرق في الأموال التي يفترض انها تساهم بحل مشاكل تلك المدينة، بما يؤمن لسكانها الحصول على ابسط حق من حقوق الانسان وهو المياه النظيفة. الماء أهم من الكهرباء ومن أي خدمة أخرى، لكنه لم يؤدي الى تحريك الشارع البصري لحد الآن، مثلما أدى انقطاع الكهرباء الى ذلك. البصرة التي تزود العراق بغالبية او كل موارده من النفط او غيره، تعاني اليوم من عطش وتلوث في مياه الشرب، يقابله صمت حكومي او على الأقل، التهرب من المسؤولية وتحميل الطرف الآخر المتمثل بالحكومة المحلية المسؤولية والتي هي بدورها أيضا تحمل الحكومة الاتحادية مسؤولية ما يجري. محافظ المدينة، يرى ان مسؤولية انتهت حين خاطب الحكومة الاتحادية لغرض المطالبة بتخصيص مبالغ إضافية لبناء محطات تحلية المياه، وزارة الصحة التي تتحمل مسؤولية علاج حالات التسمم الكثيرة التي تسبب بها الماء الملوث، حاولت وعلى لسان وزيرتها تقليل حجم المشكلة. بالنهاية نجد ان المتضرر الوحيد هو المواطن البصري الذي يعيش في خراب شامل. الأحزاب التي تحكم البصرة منذ التغيير ولحد الآن، لازالت كما هي، تحتفظ بمناصبها وامتيازاتها دون ان نجد محاسبة حقيقية لأفرادها المتورطين بنهب المال العام، تلك الأحزاب التي كلما عانى المواطنون من العطش كلما ازدادت ثرواتها، دون محاسبة حتى من قبل الأفراد المتضررين انفسهم. الحكومة الاتحادية تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه البصرة وتجاه كل محافظات العراق، لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة المحلية التي لها اليد الطولى في توجيه المشاريع والاطلاع على احتياجات المدينة وتخصيص المبالغ المالية اللازمة لحل الأزمات الملحة. لاحظت بعض الاقتراحات التي نشرها مدونون من البصرة تدعو الى حق مقار ومكاتب الأحزاب التي تدير البصرة، وطرد الحكومة المحلية وانتخاب شخصيات شعبية وقطع امدادات النفط عن بغداد وتحويلها الى البصرة فقط. ان تلك الآراء لا تؤدي الا الى مزيد من الفوضى السياسية والإدارية في المحافظة، حيث ان معاقبة تلك الأحزاب لا يتم عبر العنف، بل عبر صناديق الاقتراع، حيث ان اشد عقاب يمكن ان يوجه لها هو عدم انتخاب أي مرشح من تلك الأحزاب والتوجه نحو الأحزاب والكيانات والأفراد الذين لم تتلوث أيديهم بالمال العام، ان يتم التوجه الى مرشحين ولدوا من رحم الاحتجاجات الشعبية. مشكلة البصرة ليست مادية، أي ان سبب انعدام الخدمات ليس مرده قلة التخصيصات، بل هي مشكلة إدارية وقانونية وسياسية بنفس الوقت، والذي يجمع كل تلك العوامل هو الفساد الإداري والمالي المتفشي في دوائر البصرة وكل دوائر العراق. إضافة الى انعدام الخبرة الإدارية لدى بعض الكوادر المتقدمة في الحكومة المحلية وهذا الكلام يشمل كل محافظات العراق، أدى الى هدر في المال العام وليس سرقته. فالأموال موجودة وتكفي لبناء محطات تحلية مياه الشرب، وتكفي لبناء سدود لتخزين المياه وتوفير الاطلاقات المائية الكافية لإرواء الأراضي الزراعية في كل مناطق البصرة، لكن ما لا يتوفر هو الوعي السياسي والنزاهة والكفاءة لدى أصحاب القرار.
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة