واثق غازي
قد يبدو سؤالا بسيطا ، ولكنه في حقيقة الامر اصعب بكثير مما يظن ، حتى القارئ الفطن ، في العام 1987 قرأت قصيدة بعنوان (حوار) منشورة في مجلة اسفار العراقية ، لم اكن قبلها قد قرأت لكاظم الحجاج ، كنت اعرف انه شاعر بصري مهم ، وحتى العام 1992 على اما اتذكر ، كنت اعدت قراءة قصيدة (حوار) عشرات المرات في تلك الايام كانت تقام جلسات منتدى الادباء الشباب في (المركز الثقافي لجامعة البصرة) عندما تجرأت يوما وقلت لكاظم الحجاج: لقد اعجبتني قصيدتك (حوار) ، حتى اليوم قرأت لكاظم الحجاج كل اشعاره المنشورة تقريبا ، ولكني لما ازل اسأل نفسي: كيف يقرأ: كاظم الحجاج؟
في قصيدة (حوار) يعمل النص بطريقة السيناريو ، في شكل خطاطته المطبوعة وفي تبنيه اسلوب الحوار البيني ، حيث يتضمن النص حدثا ، لحظة لقاء شخصين ، وزمنا يحدده حدث سبق وجوده (المطر منذ الفجر) اي هو اول الصباح ، وتراسلا بينيا الغرض منه نيل استحسان الاخر ، ويحتوي هذا الحوار على حبكة تفترضها اسئلة الشاعر للفتاة ، التي مفادها انه يسأل نفسه وهو من يجيب عن اسئلته.
وهنا فقط في هذه النقطة تحديدا يغلق الشاعر باب الرد على اسئلته ، تاركا مساحة التأويل في ازدياد ، ويصعب الامساك بالمعنى المضمر الا بالقدر الذي سمح به الشاعر.
((الرجل في الاربعين ، والفتاة مسرعة))
يدل وصف العمر على مرحلة تستقر فيها المشاعر وتبدأ بالهدوء ، وتدل حركة الفتاة على انها في مقتبل العمر ، كما يدل توقيت الصبح على بدايتين: بداية حياة الفتاة ، وبداية خفوت المشاعر ، ولكنهما كان مقدرا لهما اللقاء حتما ! بدلالة ذات مغزى فيه شيء من الصوفية: ((الجسر)) هذا المسمى الذي يحوز القدرة على الربط بين المعاني المجردة والتشبيهات المجازية التي لا حصر لها.
كما تدل حركة المسير العابر ((عبرا الجسر الى اخره)) الى وجود فعل التقادم في الحدث ، بمعنى ان سؤال الشاعر للفتاة يحتمل وجهه الاول الاستلطاف في حين يضمر وجه السؤال الثاني ، المعنى الوجودي لسؤال: الى اين؟!
وامام عبثية الرد التي يحاولها كل من يحاول الرد على اسئلة الوجود. يستدرجنا الشاعر الى منطقة الظل في النص ((هل نرتاح بعض الوقت،،؟)) وهذه المنطقة مخصصة لعبث الوجود ومتعه.
((هل تشربين؟
انني لا اقصد الخمرة
اعني: ربما نشرب الشاي))
اقصد ، اعني ، نشرب ، افعال لا تحقق وجودها دون اسهام الاخر ، لذا فالشاعر يؤكد ان المتع قد تكون هي الدالة الاوضح على جدوى الحياة ، وان الحب ، والخمرة ، والشعر ، الدائرة الاقصر في فهم الكليات بمعناها الاسمى.
هكذا تتحول برهة عبور جسر الى مسألة حوار بين الاسباب والنتائج.
تلك هي احجية: كاظم الحجاج الشعرية: يمارس اللغة بأخف اوزانها ، وينزلها منزلة المتطلف ، لكنه يكون قد منحها مديات من التأويلات التي تجعل متلقيه يتسأل: كيف يقرأ كاظم الحجاج.