لماذا.. وكيف؟

كثيراً ما أطرح على نفسي هذه الأسئلة:
لماذا تمكنت أوروبا من تنفيذ دورة التطور العلمي والتكنولوجي التي أدت في نهاية المطاف إلى الرأسمالية المزدهرة وسيادة القانون والديمقراطية؟
كيف كان من الممكن للأوروبيين، في نهاية المطاف، التخلص من استغلال حكامهم، والحد من عسف السلطة؟
كيف أقامت الدول الأوروبية مؤسساتها التي تشجع على الانتاج والاستثمار والتنمية الاقتصادية المستدامة؟
نعم، لماذا وكيف؟
عكف المفكرون على معالجة الموضوع وكان لكل منهم جوابه الخاص. منهم من رأى ما حصل نتيجة أوضاع اجتماعية كامنة في المكان حيث أصبح الأمر معه ممكناً وأكثر احتمالاً مما كان عليه في مناطق أخرى. ومنهم من عزا الأمر لعطاء البيئة الطبيعية ومزاياها.
ويحضرني هنا تفسير كنت قد قرأته للمفكر المغربي عبد الله العروي لكنني لا أستطيع إرجاعه إلى كتاب معين من كتبه لبعد الزمن، فهو يرد أسباب تقدم أوروبا إلى كل من المرأة والمطر، ذلك أن دخول المرأة سوق العمل ترك أثره الكبير اجتماعياً واقتصادياً وبالتالي سياسياً، في حين كان للمطر كل هذا الغنى في الزراعة، وفي مجالات الصناعة المرتبطة بها.
في انطلاقتها نحو التطور، لم تكن لأوروبا ـ على سبيل المثال ـ ما للعراق من موارد نفطية أو ما للسودان من ثروة حيوانية الأمر الذي يؤكد الدور الجزئي والمحدود للإقتصاد، على أهميته، في التكيفات التطورية ومساراتها، وكذلك الحال مع العوامل البيئية وتفاعلاتها المادية.
ويمكننا أن نستنتج الكثير عن آفاق التطور والتحول في دول العالم الحديث بما في ذلك دول خرجت للتو من الحقبة الإستعمارية وأن نكتشف بسهولة أوجه الشبه مع “المعجزة الأوروبية” بوصفها معادلاً للظروف السببية التي نستطيع اختزالها بالاختيار العلماني، وببساطة، فصل الدين عن الدولة
وتركه شأناً خاصاً كما هو في الأصل.
على عكس ما حصل لنا حيث أدخلت الجماعات الكهنوتية الدين في صلب السلطة السياسية التي تتحكم في القرارات والمقررات المطلقة وغير قابلة للنقض، ظلت الحياة الأوروبية في مأمن من تدخل هذه الجماعات ومحاولات سيطرتها فكان نظام الدولة الأوروبية أحد العناصر المهمة في عملية التطوير المطرد واستمرارها، في ما كانت حصتنا من خلط الدين بالسياسة مزيداً من المظالم والتعسفات.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة