الحضارة العراقية

ما يمتلكه العراق، من ارث حضاري، يضاهي ما تملكه اعرق الأمم والحضارات، وربما يتجاوزها. عناصر تلك الحضارة، لا حصر لها، من الفنون، والآداب، والاسطورة، والشرائع، والملاحم. يقول طه باقر عن ملحمة كلكامش: لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين، من منجزاتها وعلومها، وفنونها، شيء سوى هذه الملحمة، لكانت جديرة بان تبوأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة. كيف اذا، ونحن نملك الى جانب كلكامش، قانون حمورابي، والشرائع البابلية والاكدية والسومرية والآشورية التي لازالت محط اهتمام الباحثين. كيف ونحن نملك من الاساطير السومرية، ما لا تملكه اي امة من الأمم؟ ينقل صموئيل نوح كريمر، في كتابه( الأساطير السومرية) عن شاعر سومري قوله: يا سومر، ايها البلد العظيم، يا اعظم بلد في العالم/ لقد غمرتك الأضواء المستديمة/ والناس من مشرق الشمس الى مغربها، هم طوع شرائعك المقدسة… وغيرها الكثير من الكتابات والدراسات التي تناولت الحضارة العراقية. تلك الدراسات التي توقفت بشكل نسبي، في فترة زمنية، ولم يعد هناك من يكتب عن الحضارة العراقية، بمختلف فروعها، عدا محاولات بعض الكتاب، في تناول الاسطورة العراقية وملحمة كلكامش. وتلك الكتابات عبارة عن مشاريع فردية، اصحابها يملكون رصيدا معرفيا وثقافيا كبيرا، كناجح المعموري/ خزعل الماجدي/ نائل حنون/ سامي سعيد الأحمد.. وغيرهم اسماء كثيرة، اضاءت بشكل لافت، الطريق نحو مزيد من الاهتمام، لأهم ميدان معرفي وهو الحضارة العراقية. لكن: هل انتهى الاهتمام بالحضارة العراقية عند هؤلاء الأسماء؟ هل يمكن لكاتب شاب، ان يكتب عن الحضارة العراقية؟ عن القوانين؟ الاسطورة؟ الملحمة؟ ربما ملحمة كلكامش، نالت النصيب الأكبر من اهتمام الباحثين في الحضارة العراقية، لكنها لازالت تحتمل المزيد من القراءات، لطبيعتها المتفردة، وقدرتها على اشغال قارئها واخذه الى اماكن بعيدة، يمكنه من خلال تلك الأماكن اعادة صياغة مفاهيم جديدة، للملحمة. باقي فروع الحضارة، تعاني من تجاهل شبه متعمد من المؤسسة الثقافية اولا، ومن المثقفين والباحثين ثانيا. فثمة تقصير واضح في محاولة ابراز القيم الجمالية للحضارة العراقية، من قبل الوسط الثقافي، والانشغال بقضايا لا تبدو بمثل اهمية الارث الحضاري. خصوصا وان هذا الارث، يحمل من القيم، ما يصلح الأخذ به في عصرنا الراهن، رغم مرور آلاف السنين على ابتكاره. نحتاج الى اجيال جديدة، تسلط الضوء على الحضارة العراقية، وتعيد قراءتها، وتعريف القارئ بها، كما على المؤسسة الثقافية ان تولي عنايتها بهذا الحقل المعرفي المهم. كانت جائزة وزارة الثقافة للعام الماضي، فرصة مهمة، لمنح هذا الميدان، فرصة البروز والوقوف الى جانب باقي الحقول المعرفية، عندما تم ادراج حقل الدراسات الحضارية، لكن ليس وحدها، بل دمجت معها الدراسات الميثولوجية. كأحد الحقول المتنافسة على الجائزة، لكن ما ان اعلنت النتائج، حتى خاب الظن، فالكتاب الذي فاز، كان يخص الدراسات الميثولوجية!
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة