الجيش والسياسة..

إشكاليات نظرية ونماذج عربية
في كتابه الجيش والسياسة – إشكاليات نظرية ونماذج عربية، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (224 صفحةً من القطع المتوسط، موثقًا ومفهرسًا)، يعالج عزمي بشارة نظريًا بعض العناصر الرئيسة في إشكالية الجيش والسياسة، انطلاقًا من واقع البلدان العربية، ويقارب تحليليًا نماذج عربيةً، استنادًا إلى التجربة العينيّة، ويفحص نظريًا مقولات رائجةً من مصادر أكاديمية غربية، بناءً على التجربة. كما يبحث في العلاقة بين الجيش والسياسة انطلاقًا من أنْ لا جدارَ فاصلًا بين الجيش والسياسة بحكم تعريفهما؛ إذ يتدخل الجيش في الحكم ويتحول إلى قوّة قمعية، تدافع عن النظام القائم، أي عن سلطته وامتيازاته.
لقد ألّف بشارة كتابه المذكور من ثلاثة فصول. ركّز في الأول، الجيش والحكم عربيًا: إشكاليات نظرية، على تطلّع الجيش إلى السياسة بالمعنى الضيق، «أي ممارسة الحكم والاستيلاء عليه»، مميزًا بين «الثورة» و»الانقلاب» قبل أن يقف على تجارب أدّى العسكر فيها دورًا مهمًا في عملية التغيير السياسي والاجتماعي.
بدأ الكاتب بإيراد تحديدات لازمة، أولها تشديده على أنّ الجيش هو الجيش النظامي حول نواة من المحترفين المتفرغين للحياة العسكرية في زمني السلم والحرب، فهو لا يقصد القوى غير النظامية المسلحة في خدمة عقيدة أو طبقة أو قضية أو حزب، ولا «فيالق فرسان يلبّون الدعوة إلى الخدمة العسكرية، ومعهم جنودهم، وينضمّون إلى حملة عسكرية بناءً على طلب الملك أو الإمبراطور، ويديرون إقطاعيةً في حياتهم العادية، أو يَجبون الضرائب للسلطان، مع أنّ هذه الأخيرة سُمّيت جيوشًا في الماضي». ثاني هذه التحديدات هو التمييز بين الاحتراف والمهنية في تحديد سلك الضباط. وثالثها أنّه ما من جيشٍ بعيد عن السياسة بحكم تعريفه، من منطلق تطلّع الجيش إلى السياسة بمعناها الضيق، «أي ممارسة الحكم والاستيلاء عليه أو المشاركة فيه أو اتخاذ القرار في شأنه، وهي ليست قائمةً في الدول الديمقراطية».ً
ينتقل بشارة إلى مسألة الانقلابات العسكرية متسائلًا عن توقّف الانقلابات في العقود الأخيرة في دول عُدّت بلدانَ انقلاباتٍ، مثل سورية والعراق. وإذ يقابل بين الانقلاب والثورة، يقول: «من ناحية الديمقراطية والتحول الديمقراطي، لم يثبت أنّ الثورة الشعبية أكثر كفاءةً للوصول بمجتمع ما نحو الديمقراطية، من الإصلاحات من أعلى، سواء أقامت بها قيادة عسكرية بعد انقلاب أم قيادة سياسية، أم كلتاهما معاً. فالثورات من زاوية نظر الديمقراطية مخاطرة كبرى يمكن أن تقود إلى فوضى أو إلى أنظمة شمولية، وحتى إذا انتهى بها المطاف إلى الديمقراطية، فهذه لا تتولد من الثورة مباشرةً، بل بعد سلسلة إصلاحات دستورية وقانونية وحوارات ومساومات سياسية تتلوها. الثورة تغير النظام، وهذا لا يغني عن دور الإصلاح في بناء الديمقراطية بعد تسلّم السلطة».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة