د. علي شمخي*
في البلدان التي تحترم مظاهر الديمقراطية ثمة التزام بالمنافسة المشروعة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومهما كانت الفوارق بين الاطراف او الجهات المتنافسة تبقى (النواميس) والاخلاق والمبادئ بمنأى عن اي مؤثرات يمكن استغلالها في هذا التنافس وفي دول غربية عديدة بقي هذا التنافس الاخلاقي انموذجا يحتذى به في التباري بين المتنافسين وتحفل الممارسات والمناظرات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الاميركية بامثلة حية ظلت قيادات هذين الحزبين تحترمهما ومعهما المؤيدون في كلا الطرفين ومن بين مفاصل هذا التباري وهذا التسابق الشريف هو ما تلعبه وسائل الاعلام المملوكة للمنظمات او الاحزاب او الاشخاص في تقديم افكار وبرامج ومشاريع الاحزاب او الجهات التي تتنافس مع نظرائها من الاحزاب الاخرى .. إذ يجد كل مؤيد او معارض او مشاهد المجال الرحب في عرض ما يريده من افكار او وجهات نظر او ابداء اي ملاحظة في صفحات وسائل الاعلام المكتوبة او المرئية او المسموعة ولربما تتولد افكار وانطباعات كافية للملايين من الجمهور استنادا لما تعرضه وسائل الاعلام هذه وما تتيحه لقادة الاحزاب او ممثليها من وقت كاف لعرض برامجها بعدة اشكال فنية ولعل المناظرات التلفزيونية التي استعرض فيها قادة الولايات المتحدة الاميركية مهاراتهم وامكانياتهم على مر التاريخ خير شاهد على الدور الكبير والحيوي لوسائل الاعلام وفي مقدمتها الفضائيات في التأثير في الرأي العام.. ويمكن القول ان احترام اخلاقيات الاعلام هو السمة البارزة في هذا الاداء الاعلامي وسر ديمومته فبغض النظر عن حسابات الفوز والخسارة وتوظيف الوسائل والامكانيات لكل الجهات المنافسة تحرص الدول الديمقراطية على اتاحة المجال الكافي واحترام الحريات العامة ومن ضمنها حرية التعبير عن الراي وحرية النشر ويحرص القائمون على الحملات الانتخابية سواء اكانوا هؤلاء سياسيين ام اعلاميين على الالتزام باخلاقيات الاعلام وفي مقدمتها حق الوصول الى المعلومات وحق الحماية للمؤسسات الاعلامية والعاملين بها.. وللاسف شهد العراق خلال الايام الماضية التي سبقت الانتخابات العامة انتهاكات واضحة لاخلاقيات الاعلام وتعديا كبيرا على حرية الاعلام بعد ان اطلق مجهولون شرارة الحرب بين الفضائيات شهد العراقيون فصولها حتى هذه اللحظة باشكال متعددة منها التعتيم على الحقائق او تشويهها عبر استخدام وسائل التشويش الميكانيكي والالكتروني في الفضاء وعلى الارض. وطالت هذه الحرب البث الحي لقنوات العراقية والبغدادية وبغداد وغيرها من الفضائيات وبادوار متبادلة اتخذت صيغة الفعل ورد الفعل مما حرم المشاهدين من تدفق المعلومات في مدة زمنية مهمة ترافقت مع الحملات الانتخابية للاحزاب والكتل السياسية وولدت هذه الحرب انطباعات سيئة عن احترام حرية التعبير وحريات الاعلام بنحو عام… ومهما كانت مبررات هذا التشويش لا يمكن قبول اي تبريرات من الذين أسهموا او قاموا بهذه الافعال المشينة التي شوهت احد مظاهر الديمقراطية في بلد ما تزال فيه هذه الديمقراطية تحبو ولا تقوى على النهوض بنحو قوي ما دام هناك من يسعى في الظلام الى اجهاض او وأد الحريات العامة في هذه البلاد بعناوين ومسميات متعددة….!!!