صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة قصصية جديدة للكاتب الجزائري صلاح باديس، بعنوان: «هذه أمورٌ تحدث»، ولعلنا منذ القصة الأولى نكتشف أبطالاً يعيشونَ تفاصيل مدينةٍ، تعيشُ هي الأخرى تحوُّلاتٍ تبدو غير مرئية حيناً، وتكشفُ عن أسرارها حيناً آخر. إنها مدينةٌ عرفَت الزّلازل والهزّات الأرضية والتّاريخية والنّفسية، كما لو أنَّها بتلك التصدُّعات تحكي حكاياتها المُغيّبَة أو المنسية أو تلك التي تجرُّ سنواتٍ بعيدة كماضٍ يُلقي بظلاله على حاضرها، لكن لنتساءل أولاً، من يحكي حكاية هذه المدينة؟ ويغوص عبر قصصهِ في تفاصيلها؟ وسبَق أن تشابك معها بقصائد كتابه الشعري الأول «ضجر البواخر»، ومع شوارعها وطرقها ومآسيها الصغيرة كما الكبيرة، ليعود اليوم قاصّاً، ويخبرنا بأمورٍ تحدث في «آلجي» كما يُسمّيها الجزائريون، وقد لا ننتبه إليها؛ يلتقطها باديس ويحوِّلها إلى لوحاتٍ تضمُّ مقتنياتٍ عتيقة كسيارة بيجو 505، وقد نمرُّ في طريقنا إلى البحر، بالشركة الوطنية لانتظار القطارات، في محاولةٍ لتسجيل صوت البحر.
علاقاتٌ هشَّة وحبٌّ خفيٌّ، ينام ويصحو خلف العيون والجدران والكلمات. أسماء وطرق وشوارع وأماكن بعينِها، هناك أيضاً مشاكلُ اليوميّ في الوظائف المملّة، والبحث عن إيجار بيتٍ بشرفة، ودوران مُدوّخ كدوران الثياب المتّسخة في غسّالة ضخمة. لكن صلاح باديس، كما أبطالهِ الذين يتبنّون جلّهم ضمير المتكلّم، يخرجُ من تلك الدائرة بتمرير تيارات هواء تُغيّر المُتوقَّع، فيُحيلنا على آراء ثورية وأفكار ومقولات نقدية تجعل لكلّ قصّة ذاكرتها ومآلها الخاص.
نلتقي في كتاب «هذه أمورٌ تحدث» بشابٍّ عمره يقارب ربع قرنٍ فقط، وهو عمر الكاتب الذي لم يخف شغفه باختراعاتٍ حياتية لم يَعِشْها. بل كان شفّافاً وحزيناً كغناء البحّارة، كخطى المشاة في جنازة عمر الزاهي، وهواجس صحافيٍّ عن مورفولوجيا المدينة المتغيّرة، والصّاحِبات الغريبات في شرفة ليلٍ طويل، والقطارات التي تغادر قبل الزلزال.
«هذه أمورٌ تحدث» جاءت في 144 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة «براءات» لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
صلاح باديس: كاتب ومترجم وصحافي، مواليد مدينة الجزائر، عام 1994. صدر له في الشعر «ضجر البواخر» عن منشورات المتوسط 2016. وفي الترجمة رواية «عن إخواننا الجرحى – جوزيف أندراس»، 2018. ورواية «كونغو – إريك فويار»، 2019. شارك ككاتب مقيم في برنامج IWP بجامعة آيوا سيتي (الولايات المتحدة) حيث أنهى كتابة هذه المجموعة القصصية.